
كتب- إبراهيم عدلان المدير العام السابق للطيران المدني السوداني، تحت عنوان “الخطوات التي يجب اتخاذها لتهيئة مطار الخرطوم ليعود مركزًا جاذبًا في خارطة الطيران “4”، قائلا: في المقالين السابقين، تناولنا الأسس التي تعتمد عليها شركات الطيران في اختيار وجهاتها، وناقشنا بعمق المعوقات التي جعلت الخرطوم تتراجع عن موقعها التاريخي كمركز إقليمي مهم.
الآن، آن أوان الحديث عن الحلول.
لكن السؤال الأول هو:
ما الخطوات العملية والعاجلة التي يجب اتخاذها لتهيئة مطار الخرطوم ليعود مركزًا جاذبًا في خارطة الطيران؟
في هذا المقال، نقدم خريطة طريق تقنية ومؤسسية وتشغيلية، تبدأ من أرض المطار وتنتهي في مكاتب شركات الطيران حول العالم.
أولًا: تأهيل البنية التحتية… بلا تسويات
الخطوة الأولى ليست سياسية ولا دعائية. إنها إصلاح أرضية الهبوط والسماء المحيطة بها.
1. المدرجات ومنطقة الحركة (Movement Area):
• فحص كامل لحالة المدرجات وممرات التاكسي عبر فرق هندسية متخصصة.
• إعادة رصف المناطق المتضررة وفقًا لمعايير ICAO (الملحق 14).
• تحديث نظم الإضاءة الأرضية (Runway Lighting Systems).
• زيادة الطول المتاح للهبوط (LDA) بمقدار ٥٠٠ متر من الناحية الجنوبية للمدرج الحالي، ما يؤدي إلى تحسين أداء الطائرات خلال الإقلاع في ظروف الحرارة العالية، ويُقلل من زمن الانتظار والتأخير خلال ساعات النهار.
• توسعة السعة الاستيعابية لمنطقة الحركة (Apron Expansion) عبر خطة تشغيلية (Business Plan) تشمل:
• إزالة الطائرات المتوقفة نهائيًا أو طويلة الأجل.
• إعادة تصميم توزيع المواقف لاستيعاب أكبر عدد من الرحلات التجارية.
• تخصيص مناطق خاصة للطائرات المتعطلة أو الخاصة لتفريغ الساحة الرئيسية.
2. صالات الركاب:
• تأهيل صالات السفر والوصول لتوفير تجربة مريحة وآمنة.
• تحديث منظومات الجوازات والجمارك وربطها بنظام آلي سلس وموثوق.
• تخصيص ممرات واضحة للرحلات الدولية، وتوسعة مناطق الانتظار والخدمة.
3. نظم الملاحة والاتصالات:
• إعادة تفعيل محطات الاتصالات (VHF/HF) والمساعدات الملاحية (VOR/DME) وتقييم جاهزية الرادارات.
• تركيب نظم بديلة مؤقتة مثل ADS-B مع ربطها الإقليمي.
• تطوير خطة تحديث تدريجية لمنظومة الملاحة الجوية بما يواكب معايير الأداء المستند إلى الملاحة (PBN).
4. خدمات المناولة والتموين:
• التعاقد مع شركات مناولة محترفة أو إدخال شراكات مع مقدمي خدمات دوليين.
• توفير معدات صالحة ومحدثة (جسور، جرارات، وحدات طاقة، أجهزة تحميل).
• ضمان توفر وقود طيران (Jet A-1) من شركات معتمدة دوليًا وبأسعار تنافسية مع الالتزام الكامل بمعايير JIG في التزويد.
• تأسيس منظومة سلامة صارمة على الساحة (Ramp Safety Program).
• تطوير فرق فنية تعمل بنظام الاستجابة السريعة لضمان سير العمليات دون انقطاع.
• بناء قدرة استيعابية داخلية تسمح بـ امتصاص التأخيرات (Delays Absorbing Capability) عبر:
• مرونة في توزيع الموارد.
• جاهزية احتياطية في المعدات والكوادر.
• تنظيم سير الحركة الأرضية بما يقلل زمن الدوران للطائرات (Turnaround Time).
ثانيًا: تطبيع البيئة التشغيلية وعودة السيطرة المدنية
• إنهاء أي مظاهر للتداخل العسكري أو الأمني المباشر في إدارة العمليات.
• إعادة بناء وحدات الرقابة الجوية والمراقبة الأرضية بقيادة فنية مؤهلة.
• تطبيق فصل كامل بين سلطات الطيران المدني وقطاعات الأمن، مع الالتزام بدليل المطار (Airport Operations Manual).
• ضمان الشفافية المؤسسية وتوثيق العمليات التشغيلية وفق متطلبات منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO).
ثالثًا: السلامة والأمن — بوابة الثقة
• مراجعة وتحديث خطة الطوارئ الخاصة بالمطار وتدريب العاملين عليها.
• هيكلة وحدة أمن الطيران بما يتماشى مع الملحق 17 من ICAO.
• تحديث أنظمة مراقبة الدخول (Access Control) والتوسعة في كاميرات المراقبة.
• توفير أدوات الكشف المتقدمة والتفتيش اليدوي والإلكتروني بشكل فعّال.
رابعًا: ضمان التحويل المالي للشركات
• تأسيس آلية واضحة وسريعة لتحويل عائدات التذاكر والمبيعات بالعملات الأجنبية.
• التنسيق مع بنك السودان المركزي لضمان تدفق أرباح الشركات.
• اعتماد نظام محاسبي شفاف (BSP/IATA) يربط بين شركات الطيران والمصرف المركزي.
خامسًا: الترويج التجاري بلغة السوق
• تشكيل فريق مشترك يضم الطيران المدني، المطارات، الخارجية، والاستثمار.
• إعداد ملف استثماري جاذب يتضمن:
• خريطة الحوافز (خصومات على رسوم الهبوط والملاحة).
• اتفاقيات تشجيع الاستثمار الجوي.
• خطة دعم تسويقي للخطوط الجديدة.
• المشاركة في منتديات مثل IATA Routes، AFRAA، ICAO Global Market.
سادسًا: ترتيب الأولويات… لا قفز في الهواء
1. التشغيل المحلي أولًا (رحلات داخلية لإثبات الجاهزية).
2. الرحلات الإقليمية القصيرة (إلى جوبا، أديس، القاهرة).
3. الرحلات الدولية طويلة المدى بعد اختبار النجاح الكامل للعمليات الأرضية والمالية والأمنية.
خلاصة المقال:
الطريق إلى إعادة تشغيل الخرطوم كمطار دولي لا يمر بالقرارات السياسية وحدها، بل يبدأ من:
• مدرج مُرمم ومُطوّل.
• ساحات خالية من الطائرات الميتة.
• بنية تحتية تشغيلية موثوقة.
• خدمات مناولة ذات جودة وسلامة واستجابة مرنة.
• بيئة مؤسسية شفافة وآمنة.
• رسالة تجارية ذكية إلى شركات الطيران العالمية.
في المقال القادم:
إعادة التموضع الإقليمي: كيف تستعيد الخرطوم دورها كمركز عبور (Hub)؟
سنتناول فيه العوامل التي تؤهل الخرطوم لتكون نقطة ربط جوية بين أفريقيا والشرق الأوسط، والتجارب الإقليمية الناجحة التي يمكن الاستفادة منها