
كتب- عزمي عبدالرازق- أسفر ذلك الصراع المتنامي على الحكومة الموازية عن تباعد المواقف وعدم الانسجام بين الفصائل المتمردة وميليشيا الدعم السريع الإرهابية، وأجهضت تلك الخلافات أولى محاولات ولادة تلك الحكومة المزعومة، والتي هدفت الميليشيا بالحديث عنها إلى إضفاء شرعية ظاهرية على عملياتها العسكرية، والتهديد بفصل إقليم دارفور.
لكن زحف القوات المسلحة السودانية نحو الغرب، وفقدان الميليشيا السيطرة على الأرض، وانتعاش الأموال بفك تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، إلى جانب تعيين كامل إدريس رئيسا لمجلس الوزراء والترحيب الداخلي والخارجي الذي حظي به، جعل من فكرة الحكومة الموازية عبارة عن نكتة سياسية، وتعويل على السراب.
وقد تسبب ترشيح حذيفة أبو نوبة، من قبل ميليشيا الجنجويد، لرئاسة وزراء الحكومة الموازية في تفجّير الخلافات داخل “تأسيس” وسط جدل حول الولاء والشرعية، والنزعة العنصرية المتحكمة في تسيير الأمور، وهو شخص قليل الخبرة والمعرفة ويفتقر للأهلية، ويؤكد ذلك على هيمنة آل دقلو فعلياً على القرار داخل ذلك الجسم المُمزق، وفقدان الثقة بين أطراف تحالف كينيا المدعوم إماراتياً، خصوصاً الحركة الشعبية شمال، والتي أصبحت تتشكك في كل تصرفات قادة المليشيا، وأخرها بالطبع ما قامت به الرائد خلا شيراز بحملة على المظاهر السالبة، وما أكثرها ومداهمة محلات الشيشة والخمور البلدية، ما أغضب جماعة الحلو، لتصبح تلك الحادثة أول اختبار على مبدأ العلمانية المغشوشة بينهم!
صراع على السراب
تتمحور الخلافات الأساسية حول نسب المشاركة في الحكومة المقترحة والمناصب القيادية، وبالأخص منصب رئيس الوزراء. في البداية، طالبت – الحركة الشعبية شمال- بتخفيض نسبة مشاركة الدعم السريع، ما أدى إلى خفض حصة الأخيرة من 60% إلى 50%. في المقابل، احتفظت الحركة الشعبية بنسبة 30%، فيما ارتفعت نسبة مشاركة الكتل الأخرى من 10% إلى 20%.
ورغم هذا التعديل، ما زالت الحركة الشعبية تطالب الدعم السريع بالتنازل عن 10% إضافية لصالح الكتل الأخرى، مشيرة إلى أن كتلة المستقلين وبعض الكيانات الدارفورية الملحقة ليست سوى واجهات أنشأتها مليشيا الدعم السريع لضمان سيطرتها الكاملة على الحكومة الموازية. هذا الاتهام يكشف عن جدار الثقة المنهار بين الطرفين، ويشير إلى مخاوف الحركة الشعبية من أن تكون هذه الحكومة مجرد غطاء لالتهام
كيكة لم تنضج بعد.
يتفاقم هذا التوتر بسبب التنافس على منصب رئيس الوزراء. فبينما تتمسك مليشيا الدعم السريع بهذا الموقع، تصر الحركة الشعبية شمال على أحقيتها به. وتدخل على الخط مجموعة الهادي إدريس التي تطالب هي الأخرى بمنصب رئيس الوزراء، ما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل التوصل إلى توافق شبه مستحيل في الوقت الراهن. كما يعكس التنافس على القيادة رغبة عارمة في السيطرة على القرار السياسي والإداري.
الهيكل الحكومي المزعوم
لا شك أن تلك الخلافات المتنامية تشف عن مؤشرات خطيرة، أهمها
– انعدام التجانس بين الفصائل المتمردة، وذلك على الرغم من تحالفها الظاهري في مواجهة الدولة، لكنها في حقيقتها عاجزة عن توحيد الرؤية حول تقاسم السلطة، في حدود المعقول، أذ يسعى كل طرف إلى تعظيم مكاسبه على حساب الآخر، ما يبدد أي محاولة للانخراط في نقاش مثمر ومفيد.
– ضعف القاعدة التي تقوم عليها الحكومة الموازية. فإذا كانت القوة الأكبر الممثلة في مقترح الحكومة الموازية، أي مليشيا الدعم السريع والحركة الشعبية، غير قادرة على الاتفاق على أدنى مبادئ المشاركة وتقاسم السلطة، فكيف يمكن لهذا الكيان أن يحظى بالشرعية أو القبول الداخلي أو الخارجي، أو حتى يحظى بثقة أنصاره.
فشل الوساطات
على الرغم من وجود وساطات من جهات خارجية وداخلية لحل هذه الخلافات، وتحديداً كينيا وحكومة أبوظبي إلا أن التقوقع في البداية يشير إلى صعوبة إيجاد حلول ترضي جميع الأطراف المتصارعة على المصالح والنفوذ. ويبدو أن هذه الأطراف ليست مستعدة للتخلي عن أحقيتها بالصدارة، مما يبدد من فعالية أي جهود وساطة، وفي حال التراضي على كيان هش فإن الخلافات سوف تظل موجودة وتنفجر في أقرب مواجهة.
تداعي الحاضنة القبلية للتمرد
استمرار التنازع وعدم التوافق على مسار واضح لحكم بديل يزيد من معاناة المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرة هذه الفصائل، في ما يعرف بالمناطق المحتلة، تحديداً بعض القبائل الموالية للمليشيا، والتي دبت فيها الصراعات المسلحة أيضاً وبشراهة، ووصل الأمر إلى التصفيات الجسدية، كما يحدث حالياً في نيالا والجنينة، وكذلك الموت الغامض لناظر المسيرية الفلايتة في مدينة الفولة عبد المنعم الشوين- بعد مطالبته بعلاج الجرحى من أبناء قبيلته أسوة بأهل الحظوة، وهذا بالضبط هو الذي دفع حميدتي في آخر خطاب لإطلاق وعود بتشييد العديد من المستشفيات لقواته، وهو بذلك كمن يبشر مريض بقرب
المشرحة، وسهولة إجراءات الدفن.
في ظل هذه الخلافات الجوهرية، يبدو ولادة حكومة موازية بين تحالف الأضداد ضرباً من المستحيل، وإن حدث ذلك لا شك أن الجنين سوف يأتي مشوهاً، ليس فقط بسبب النزعة السلطوية لقادة المليشيا، وإنما بسبب انتصارات الجيش، وعدم وجود منطقة آمنة تحتضن تلك الحكومة الموازية، أو تصلح كعاصمة لهم، وذلك بعد استبعاد كاودا بسبب مواقف القادة الميدانيين للجيش الشعبي هنالك، واقتراب متحرك الصياد من نيالا. إلى جانب تفجُّر الخلافات داخل الحاضنة القبلية للتمرد، وتوجيه صرف الأموال والرشاوي بصورة غير عادلة، ولذلك فإن الحكومة الموازية عوض أن توحد هذه الفصائل المتمردة، سوف تكون مسمارًا آخر في نعش “تأسيس”.
عزمي عبد الرازق