الرئيسيةمقالات

مكي المغربي يكتب.. سمعة بلدك، سمعتك

من السهل جدا أن تجد مواطنا سودانيا يتحدث عن السودان في مقهى عام أو عبر الأسافير بفظاظة وقسوة وأن الأوضاع فيه منهارة وأنه الأفضل تقسيمه. والغريب أن ذات المتحدث يأتي بعد ذلك يطالب العالم بالإنصاف ويطالب الدولة المضيفة له وهو لاجئ أو مهاجر أو مغترب بمعاملة أفضل لأنه من وطن عظيم، أليس هذا الوطن الذي شهدت على الملأ أنه انتهى؟ ما هذا الاستهتار بسمعة بلدك؟

 

وقفت كثيرا على هذا التناقض، مزيج من الاعتزاز بالذات المتزامن مع جلد الذات العلني المفضوح على “القبل الأربعة”، ما هذه الغوغائية والعشوائية في تعامل بعض المواطنين السودانيين، سواء أشخاص عاديين أو مؤثرين مع سمعة بلادهم. والله إن لم نتغير بعد الحرب فيا ويلنا، ويا ويل من يرث السودان منا!
لا بد من الإصلاح العاجل والسريع، فقد خرجنا من الحرب أو نحن في طريقنا بإذن الله تعالى، وفي نظر البعض مات السودان ثم عاد للحياة، وهذا يحتم علينا ألا نعود بذات الأخطاء أبدا، لا بد من الإصلاح والتقويم.

أول تغيير ألا نبحث عن شماعة حكومة أو دولة، وأن نواصل في المبادرات المجتمعية ونلتف حولها، وهذه واحدة منها.

 

القصة بدأت قبل فترة، بسبب نقاشات متعددة –حول مبادرة إعلامية سابقة- كنت أنتقي عبارات التهدئة وتغيير النقاش، وفي ذات الوقت وجدت أنه من المستحيل أن أقف محاضرا للسودانيين الذين أتعامل معهم عن الوطنية لأنني أتعامل مع شخصيات تستطيع أن تؤدي هذه المحاضرات أفضل مني، مشكلتهم ليست في النية تجاه السودان بل في السلوك الجماعي السيء، فكنت أخاطب المخاطر أكثر من العواطف، وأذكر المتحدث، يا أخي الكريم لمدة ساعة وانت تتحدث عن سلبيات السودان، وكل مرة لا حديث إلا عن عيوب السودان وعيوب دولته ومؤسساته وأحزابه وقبائله والقوات النظامية والموظفين أوحتى فشل مشاهير ونجوم ومبدعين في حياتهم الخاصة .. ولا يكلف الفرد نفسه عناء التفكير كيف يبدع أو ينجز شخص في هذه الظروف ولا يقول له شكرا .. احسنت في كذا وأخطأت في كذا؟

دائما ما أقول سمعة البلد ليست كتلة واحدة صماء إنما لوحة فسيفساء ضخمة فيها قطع صغيرة مرصوصة، فإذا حطمت وسحقت أي قطعة فقد دمرت جزءا من اللوحة، وأنت عندما تدمر سمعة بلدك تدمر سمعتك الشخصية، لأنك تنتمي إلى حطام. وهنا استوقفني شاب ذكي في نقاش حول ذات الأمر “نعم صحيح، ويقرأ من الجانبين، فالسلوك الشخصي وسمعة الشخص أو مجموعة من السودانيين في مكان تنسحب على السودان كله، ويجب الحذر من الإساءة لفظا للسودان أو الإساءة بالسلوك”!

للأسف، يوميا قد ننتقد البلد وأحوالها ولا ننتبه لقسوة ألفاظنا، لا يوجد احتياج لمخطط أعداء للسودان لتشويه سمعة السودان، فالسودانيون بسبب الحرب والإحباط، وربما قبلها بسبب الطبع الصريح أو الميل للفضفضة وتفريغ الهواء الساخن هم أكثر من يشوهون سمعة السودان، لا بد أن نعترف بهذا وأن نغيره.
لو لاحظت المحيط حولك، هنالك دول مرت بأسوأ مما حدث للسودان وقامت مجددا وبدأت تكون سمعة طيبة، ولذلك يستحسن عدم حرق الموجود من السمعة الحسنة، بل يستحسن البناء عليه وتطويره، وان لم تكن خائفا على السودان يجب أن تخاف على نفسك واسرتك من المعاملة السيئة بسبب سوء سمعة بلدك.

كما ذكرت أعلاه، بدأت القصة يا أعزائي لهذه المبادرة في سياق عملي الذي يتعلق بصورة السودان الدولية، منذ فترة اجمع كتابا بعنوان “إعلاميون زاروا السودان”، ثم تطور إلى إعلاميين وغيرهم “زوار بلدنا” بسبب أن كثيرا منهم لديهم شهادات في حق السودان، وبدأت أتواصل مع شخصيات داخل وخارج السودان كانت جزءا من الاستضافة أو الزيارة لاسترداد الأرقام ووسائل الإتصال معهم بعد فقدان هارديسك كامل، بدأت فيه الكتاب قبل الحرب. ولكنني فوجئت أنني انفق قرابة ساعة للاستماع لكلام محبط وكل ما يسيء لسمعة السودان في ونسة مع بعض الشخصيات المهمة داخل وخارج السودان.
ووجدت نفسي حتى أخرجهم من الأجواء السلبية أردد عبارة “سمعة بلدك سمعتك!

نعم، سمعة بلدك هي سمعتك، فلا تظن أنك عندما تهاجمه بفظاظة وباستمرار وتدمن “الفضفضة” عن المآسي والآلام بالتشنيع على بلدك، أنك تقوم بالإصلاح والتصحيح أو تمارس النقد. كل كلمة قاسية مدمرة تنطق بها عن بلدك أو مؤسسة فيها أو رمز قد تعود إليك، وتكتب على جبينك. من يشوه صورة بلده، يشهد على نفسه بأنه يستحق الإحتقار، ويكتب لنفسه الإذلال قبل أن يُلصقه بوطنه.
احترام سمعة بلدك ليس تغطية على أخطاء الدولة أو المجتمع، بل هو دفاع عن نفسك وصورتك وكرامتك. يمكنك أن تنتقد من أجل الإصلاح والبناء، ولكن إذا هدمت سمعة وطنك، فأول ما تهدمه هو سمعتك وستورث أبناءك والجيل القادم الذل والهوان.

اقترح لي كثير من الأصدقاء كتابة محتوى وتحويلها لمبادرة، ولكنني تمسكت لفترة بالشرح والرد الشفاهي فقط، يا أخي #سمعة_بلدك_سمعتك
لقد كانت جوابا كافيا ولكن لو فكرت في محتوى سيكون من هذه النقاط الثلاث، والتي أرغب في فتحها للمناقشة والتطوير.

1- يستحسن التفكير بصورة مستمرة عن مناشط إيجابية لصالح صورة السودان، قد يميل التفكير إلى اقامة المعارض والمهرجانات، ولكن الموضوع قد يكون أبسط من ذلك، مجرد تحديد يوم في الشهر للزي البلدي التقليدي البسيط للنساء والرجال قد يكون مبادرة أكثر تعبيرا من مهرجان سنوي، كأن نحدد آخر جمعة في كل شهر لصالح “صورة السودان”. باختصار الغرض هو أي نشاط جماعي ثقافي وبتمويل الأفراد وليس جهات حكومية أو كبرى، وبشرط أن يكون بسيط وغير مكلف، ولا يحتاج إلى سكرتارية وحشد تبرعات، لأن الصدقات أولى بها المرضى والجوعى. نريد الإبداع في تغيير السلوك الفردي حتى يشعر المواطن بالعلاقة بين سمعته الشخصية وسمعة بلده، أن يكون هو الفاعل في المنشط وليس المتفرج أو الداعم (جمعة صورة السودان)

2- نحن شعب نحب النقد والصراحة والشجاعة، ولا يجوز اسكات الناس، نعم صحيح، سنقول لمن يبالغ في النقد وتلطيخ السودان بالوحل سمعة بلدك سمعتك، ولكن يجب أن يكون هنالك حوار سوداني – سوداني حول الفرق بين نقد الذات وجلد الذات، ونقاش حول مساحة وسياق وحجم النقد، وهل يجوز النقد دون إيجاد حلول وبدائل، أم أن هنالك ضريبة واجبة السداد لمن يرغب في النقد، وهو أن يقترح حلول وان تكون مساحتها في حديثه مساوية للنصف وأن يقبل هو نفسه النقد (الحوار السوداني المستمر)
3- أقترح أن يكون هنالك فرض على أي مجلس سوداني خالص أو فيه أصدقاء، أو نقاش اسفيري وهو أن يتم ذكر قصة نجاح واحدة. نعم يجوز أن يكون المجلس عن المآسي والخسائر والضحايا، ولكن قصة نجاح واحدة، إنجاز رسمي أو شعبي، حتى لو عمل فني معروف، مع الدعاء للشخص الناجح وليس ضروريا التبرع له أو الاسراف في مدحه، إشارة عابرة أثناء الكلام في دقيقة واحدة (ضريبة صورة السودان في أي مجلس)

أتمنى المزيد من النقاش ومقترحات تفصيلية أكثر حول المبادرة، ولذلك قرر يوم الجمعة من آخر كل شهر لايف عن المبادرة يبدأ بصفحتي، وبعدها ينتقل إلى صفحة المبادرة.
وعليه أنتظركم في صفحتي هذه الجمعة 29 أغسطس 2025 في أول لايف الساعة السابعة مساء بتوقيت السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى