كتب اللواء ركن متقاعد د. يونس محمود محمد عن عودة مدينة سنجة إلى حضن الوطن بعد تحريرها من قبضة الدعم السريع.
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )
عندما أضاع التاجر عبد الله ( سنجته ) اي مثقال الميزان الذي يحمله التجار المتجولون ، أضاعها في هذه المنطقة وبحث عنها مع رفقته ولم يجدها ، فجرى التوصيف للمكان حيث أضاع عبد الله سنجته ، فكان اسم سنجة كما تقول إحدى الروايات الشعبية.
وسنجة راكزة في ضفة النيل الأزرق بانثياله السرمدي وتدفقه السخي ووعده غير المختلف في عام خريفي يدفق للجروف الخصب ، ويلقح الأرض فتولد الحب ، والثمار والآكام والأزهار ، والحقول الخضر الممتدة حتى مغرب الشمس في خط الأفق.
إنسانها قديم العهد بالحياة ، سعى في دروبها وعمر أكنافها ، وغاص شاهدا بعظمه حيث إكتشف الحاكم الإنجليزي المستر ( بوند ) جمجمة متحجرة ، بعث بها الى المتحف البريطاني لتؤكد الفحوص الكربونية بأنها من أقدم السلالات البشرية التى عمرت الأرض إن لم تكن أقدمها على الإطلاق ، لتبقى شاهدا على تجذر الإنسان في هذا الموطن الحفي.
سنجة ذات خصائص وسمات تمييزها عن بقية المدن ، كما أن لكل مدينة طابعها ومعالمها ، فمع بزوغ فجر كل يوم تتحرك الرفود وجماعات العمل والمزارعون والرعاة وطلاب الحاجات للاسواق .
وتلاميذ المدارس والموظفون كلهم يتجه صوب المدينة ليبيع أو يشتري أو يقضى غرضه أيا كان ، وصدر المدينة يتسع لكل هؤلاء ، وريع بركتها يعمهم جميعا حيث يعود الجميع وقد كسب رزقا حلالا.
ثم إذا حل الأصيل فتضج المدينة بالانشطة الرياضية في دار الرياضة وتنافس الأندية في الدوريات ، الأهلي ، النيل ، الممرضين وأولاد المؤمن ، الشبيبة ،المريخ ، الهلال الذي كنت رئيسه الشرفي .
وتتعالى صيحات الفرح و المشاكسات الفرحة بين المشجعين ، أما الامسيات مابين رواد الأندية الثقافية الإجتماعية وسينما سنجة التى تنافس نفسها في عرض أقوى الأفلام الهندية ، حيث تغنينا مع راجندي كومار أغنية الحصاد في فلم من أجل أبنائي ، وضحكنا مع ترنتي في أفلام الكاوبوى ، أما التعليم فذلك أمر عظيم ، إذ تعمر المدارس بأئمة المعرفة من المدرسين الأفذاذ ، لا يستطيع المرء إحصاءهم ، ذوو هيبة وتدفق معرفي كأنه ينابيع المروج ، محمد علي داره ، النور ، محمد مالك ، عثمان النظام ، هود ، محمد علي ، هجو ، ( هذا ملف سنفرد له ما يستحقه من إهتمام )
سنجة آوت الطلاب في الداخليات ولولاها لتعثرت مسيرات علماء ونجباء ، أطباء ، ومهندسون ، وقادة ، وساسة .
سنجة ، ما من مريض الا ويطلب عند مشافيها الدواء ، ويعود معافى بفضل الله ثم تفاني نطاسيها المتقين ،
مدينة جمعت كل هذا الخير وأوعته ، تعج مساجدها بختمات القرآن ،
وتودع موتاها بوفود حاشدة ، وتتضامن في كل نازلة ، وتنعم بالجوار الآمن ، والتواصل الحميم ،
وتساهم في إقتصاد الوطن بعطاء نوعي في الذرة والسمسم والصمغ والثروة الحيوانية ومنتجات الخضر والفاكهة ، هكذا سارت الحياة فيها ناعمة طاعمة كاسية حتى جاءت طامة ديسمبر المشئومة ، واعتلى الحكم طغام الأحلام ، الرويبضات التافهون ، بلا حظ من علم ولا وقار ولا ضمير ولا أخلاق ، جاءوا من مواطن الشبهات ملوثون بلعنة الإستغراب في ثوبه البالي القديم الذي يضع الدين خصما والاخلاق عدوا
يريدون أن ينقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض ، كان هذا همهم وغاية عزمهم فاتخذوا من الجيش والشرطة والأمن خصوما لهم ، ما تركوا بذاءة ولا سبة الا ورموهم بها ، ونسوا في غيهم أمر الدولة ، فضعف كيانها ، وانهارت مناعتها ، فتكالبت عليها الجراثيم والأوبئة ، وأصبحت مطمعا لكل قاصد ، فامتدت الأيدي الخبيثة بالخراب وأعلنت الحرب ، وكشفت عن نوايا خطيرة باختطاف الدولة لمصلحة آل دقلو ومن والاهام من الأشقياء ، ومن وسوس لهم من قوي الشر الدولية والإقليمية ، الذين وجدوا مطايا الدعم السريع مسرجة فركبوها لبلوغ الأهداف ، حيث كان ذلك ممكنا جدا بالورق كما يقول ( النقاد الرياضيون )
من حيث العدد والعتاد والتجهيزات المادية ، ولكن فات عليهم أن الكلب وهو لابس العمامة هو كلب في حقيقته وجوهره ، اعمى الله أبصارهم وأعمه بصائرهم أن ترى وتدرك قدرات الجيش ورأس ماله البشري المعتق بتجارب الحروب ، المترع بالشجاعة الحكيمة غير المتهورة الحمقاء ، المفعم وطنية حتى النخاع ، المزان بالقيم والصدق والنزاهة والصدق والإخلاص والإنتماء للأرض والإنسان في السودان ، العالي التدريب ، الرفيع الإنضباط ، الأثير عند شعبه ، فات عليهم كل ذلك فطفقوا يحدثون العالم عنهم والفلول والكيزان ودولة ٥٦ وغيرها من مسوح الخداع والكذب الصراح ، ودويلة الشر حمالة الحطب تحمل حزمة إثر حزمة وهي تلهث حتى تنضج جلود أهل السودان ، وتحرق قراهم ومدنهم ومدارسهم ومساجدهم ، وتشردهم إنفاذا لمشيئة الكيان الصهيوني وعناصر المؤامرة الدولية ،
فكانت عمليات الخرطوم التى سطر فيها الجيش السوداني سفرا خالدا في كتاب الحروب ، وأدارت قيادته أعقد عمليات القتال في المناطق المبنية يتجاوز معارك ستالين غراد ، وبرلين ، والفلوجة ، وغزة ، وبيروت بسنوات ضوئية ،
تمددت خطوط العدو العملياتية فشملت الجزيرة وسنار ، وأذكر مشاهدة القوة الغاشمة التى دخلت سنجة وأحد أشقيائها يتوعد الناس ( يا فلول سنجة الليلة فليلكو شين )
بمعنى ساء صباح المنذرين
ونشر أحدهم مشهدا للمدينة وهو يصورها من على مئذنة المسجد الكبير
ويؤكد بوقاحة أنهم باقون هنا ولن يقدر أحد على اخراجهم منها ،
هؤلاء القتلة ، الأغراب ، الملاقيط بلا أصل ، ولا دين ، ولا ثقافة ، ولا ادنى معرفة بالأصول والقيم والأعراف والتقاليد ، ولا المشاعر والأحاسيس التى نال الحيوان نصيبا منها في الوفاء والتلطف ومعرفة الحلال من الحرام ، هم لا يعرفون شيئا من ذلك ، يقتلون النفس ، وينهبون الممتلكات ، ويغتصبون الأعراض أمام أهلها ويوثقون جرائمهم بانفسهم لا يبالون بالعيب والفضيحة ولا يخشون عقاب الدنيا ولا الآخرة. الأمر الذي يؤكد أنهم خلق آخر غير البشر برغم أنهم في صورة البشر .
دخلوا سنجة ضحى آخر يوم من شهر يونيو الماضي
وأول ماقاموا به هو نهب المدينة ، البنوك ، المتاجر ، المنازل ، كل ما وقع في ايديهم ، أرغموا الناس على الخروج من بيوتهم وعاثوا فيها فسادا ،
الجيش كانت له رؤيته وتقديراته التى قد يشفق منها كثيرون ويستبطئون الحسم ، وهو يقترب رويدا ويشد الحبل على رقاب الأشقياء ، ويحيط بهم ويطوقهم من الدندر والسوكي جبل موية ، حيث أفاقوا وهم في الفخ ، فانهارت قواهم ، وهربوا لا يلوون على شئ سوى طلب النجاة ، تفرقوا في البوادي على القربين والدالي والمزموم في إتجاه دولة جنوب السودان ، حيث تستمر الملاحقة والنفس الطويل ،
نعم عادت سنجة عودا حميدا مستطاب مثلما غنى المبدع صلاح مصطفى ، حيث صاغ اللحن أولا وهو في القطار من بورتسودان في طريقة للخرطوم ويتابع غروب الشمس من النافذة ثم ملأ الشاعر الموهوب محجوب سراج ،
الجيش الذي أمن السودان عبر عمره المبارك لن يخذله أبدا بحول الله
إذ لا يستقيم أن تنتصر المليشا المكونة من قبليين معتوهين ، يسكنهم الجهل ، وبقية من مرتزقة ملاقيط ، ومجرمين حاقدين على المجتمع ،
الجيش بقياداته وسائر منتسبيه من الضباط والصف والجنود ، وجهاز الشرطة ، وجهاز الأمن وهيئة العمليات ، والمجاهدين من أبناء الوطن وشبابه الأوفياء ، وأخص كتائب البراء بن مالك ، الذي نثر بذوره في الأرض فأنبتت في السودان قنا وحرابا تذب في وجوه العدا .
إن النصر الغالي الذي تحقق اليوم في سنجة لهو ( والله ) نهاية الجنجويد ومن والاهم ، ضاقت بهم الأرض بما رحبت ، وأمسوا في أسوأ حال إنهيارات وهزائم وتوهان بلا هدف ولا قيادة ، تلاحقهم لعنات الناس كلهم ، ويلاحقهم وعيد القتل أينما حلوا ،
وصول القائد العام فورا لمباركة النصر هو ايذان بالمطاردات الساخنة للخونة وسحقهم ،
التحيات كثيرة ومستحقة ،
للجيش أكيد ولكل من ساند الجيش ، باي شكل من المساندة والدعم ، بالقتال في صفه ، أو الدعم المادي والمعنوي ،
تحية لوالي سنار الصبور
توفيق محمد علي وأعضاء حكومته ،
للمجاهد أحمد عباس والي سابق للولاية ، ولسائر أهل الولاية في الحل والترحال ، في المنافي ومواطن النزوح ،
تعازي لكل من فقد حبيبا ، أبا أو أما ، ولدا أو أخا أو أختا ، من استشهد منهم برصاص الغدر والحقد ، أو المرض ،أو القهر والحزن ، أو الجوع والعطش ، وعند الله تجتمع الخصوم ،
أما المتعاونون مع الجنجويد فيجب أن يجري عليهم حكم الجنجويد
فقد جردت الحرب بعض الناس من أقنعتهم الإجتماعية والأخلاقية التي كانوا يستترون خلفها ، فما حل الجنجويد في مدينة أو قرية الا وقد خلعوا الأقنعة وظهروا عراة متجردين من الفضيلة ،
نظار ، عمد ، وأساتذة ، وكوادر طبية ، ووجهاء ، وغوغاء وغجر ممن لا يعبأ بهم أحد كلهم انضموا للجنجويد وباركوا فعلتهم في الناس ، وامتدت أيدهم الآثمة بالسرقة لبيوت جيرانهم ومواطنيهم الذين أكلوا معهم ( الملح والملاح ) وتماهوا مع الجنجويد بل وعالجوهم وتاجروا معهم في المسروقات وتبسموا في وجوههم بلا أدنى حياء
ونسوا أن الجنجا راحلون بحول الله وقوة الجيش وإرادة شعبه .
الحمد لله على عودتك حاضرة ولاية سنار
وعقبال مدني ، ونيالا ، والجنينة ، وزالنجي والضعين ،
وما ذلك على الله بعزيز
نصر من الله وفتح قريب