
حينما يتحدث البعض عن الرزيقات وكأنهم كتلة صماء أو جماعة متجانسة ذات رأي واحد فإنهم يتجاهلون حقيقة أن هذه القبيلة كغيرها من مكونات السودان تضم تنوعا في الآراء والمواقف وليس من العدل أن تصور وكأنها كتلة موحدة خلف أي طرف سياسي أو عسكري
قرأت مقال الاستاذ تاج الدين بشير نيام الذي حمل عنوانا صارخا يدعو قيادات الرزيقات لمراجعة مواقفهم وقطع صلتهم بقوات الدعم السريع معتبرا أن هذه المليشيا قد انهارت بالكامل وأن من بقي معها سيواجه مصيرا كارثيا وبعيدا عن الخلافات السياسية والمواقف المسبقة فإن هناك نقاطا في المقال تستوجب المراجعة والتفنيد
اولا: حديث العموميات
المقال يتحدث بصيغة تعميمية تفترض أن الرزيقات غالبيتهم يقفون في صف قوات الدعم السريع المتمردة بينما الواقع أن هناك من انخرط فيها وهناك من نأى بنفسه عنها منذ البداية وهناك من يقف مع الدولة والقوات المسلحة وهذا يعني أن محاولة ربط القبيلة ككل بموقف موحد هي مغالطة لا تخدم الحقيقة بل تزيد من حالة الاستقطاب والتأزيم
ثانيا: التنسيقية العامة لابناء الرزيقات ودورها الوطني
من المثير للدهشة أن المقال تجاهل الدور الكبير الذي لعبته التنسيقية العامة لابناء الرزيقات بالداخل والخارج في دعم السودان خلال هذه الازمة لقد كان للتنسيقية دور محوري في تسهيل عمليات تسليم أبناء القبيلة الذين انخرطوا في الدعم السريع للقوات المسلحة مساهمة في حفظ الدماء وإعادة الامور إلى نصابها كما أن مجموعة كبيرة من قادة الرزيقات الشرفاء يحاربون الآن في الصفوف الامامية مع القوات المسلحة وقد حرروا العديد من المناطق من قبضة المليشيا المتمردة ليس لكونهم رزيقات ولكن لأنهم سودانيون شرفاء حملوا هم الوطن قبل أي انتماء آخر
لم يكن موقف أبناء الرزيقات الوطنيين مجرد مشاركة عسكرية بل امتد إلى كافة القطاعات اجتماعيا واقتصاديا واعلاميا وسياسيا وصحيا لقد كانوا جزءا لا يتجزأ من معركة السودان الكبرى لاستعادة الدولة من قبضة المليشيات وشاركوا بجهود جبارة في مختلف الجبهات وكان لي الشرف أن أكون جزءا من هذا العمل الوطني العظيم من خلال التنسيقية حيث رأيت بأم عيني كيف يضحي هؤلاء الرجال من أجل السودان وليس من أجل قبيلة أو جهة معينة
ثالثا: دعوة القيادات التقليدية لاتخاذ موقف سياسي
يرى الكاتب أن الإدارات الأهلية للرزيقات مطالبة باتخاذ موقف واضح ضد قوات الدعم السريع، لكن هذا الطرح يتجاهل أن هذه الإدارات مؤسسات اجتماعية وليست كيانات سياسية أو عسكرية، ودورها الأساسي هو تعزيز التعايش وحل النزاعات، لا الانخراط في الصراعات.
كما أن التنسيقية العامة لأبناء الرزيقات بالداخل والخارج هي الكيان الذي يمثل القبيلة، وقد أكدت في بياناتها، خاصة خلال لقائها مع قائد مجلس السيادة، أن الإدارات الأهلية التي دعمت التمرد لا تمثل القبيلة، بل تمثل أفرادا فقط، بينما يقف الرزيقات الوطنيون مع السودان، في موقف ثابت لا يحتاج إلى مزايدات.
رابعا: استدعاء تجارب تاريخية غير متطابقة
استشهاد الكاتب بقرار الامام الخميني وقف الحرب بعد ثماني سنوات وبقرار الشيخ موسى هلال مراجعة موقفه يوحي بأن الرزيقات في وضع مماثل لهاتين الحالتين لكن الحقيقة أن الوضع مختلف تماما فإيران كانت تواجه دولة أخرى بينما الوضع في السودان أكثر تعقيدا حيث تتداخل العوامل المحلية والدولية والازمة لم تبدأ بتمرد الفين وثلاثة وعشرين فقط بل لها جذور ممتدة لعقود أما مقارنة الموقف بموسى هلال فالمعروف أن الرجل لم يكن في صراع ضد الدولة بل كان في خلاف مباشر مع قوات الدعم السريع نفسها وبالتالي المقارنة ليست دقيقة
خامسا: تبسيط المشهد العسكري والسياسي
المقال يتحدث عن تحرير القصر الجمهوري وكأنه نهاية الحرب بينما الواقع أن المعركة لا تزال مستمرة في عدة مناطق والحديث عن استسلام شامل أو هزيمة نهائية ليس دقيقا خاصة مع استمرار المواجهات في دارفور والنشاط العسكري للتمرد في بعض المناطق
سادسا: التصعيد بدلا من المصالحة
يدعو الكاتب قيادات الرزيقات إلى طلب العفو والمصالحة لكنه في ذات الوقت يستخدم لغة تصعيدية تنفر أي طرف من الاستجابة لهذه الدعوة فالمصالحة لا تفرض بالاملاءات ولا تتم عبر التخوين الجماعي بل تحتاج إلى أرضية مشتركة تبدأ بالاعتراف بأن الحرب أضرت بكل السودانيين وأن الحلول لا تكون بالمزايدات الاعلامية بل بالحوار الشفاف والمسؤول
كلمة اخيرة
السودان في مرحلة حساسة والقبائل ليست أحجار شطرنج تحرك وفق رغبات الاطراف المتصارعة الرزيقات كغيرهم من السودانيين لديهم تنوع في المواقف والآراء وخلط الاوراق لن يخدم الحل ومن يريد السلام فليعمل على تعزيز الحوار لا على تكريس الانقسامات.