مقالات

مبارك أردول يكتب.. نستدبر جدة ونستقبل جنيف فما العمل حتى تبدأ المفاوضات ؟

ثوابت : في البدء موقفي معلن أنني مصطف مع القوات المسلحة في حقها في القيام بواجبها الدستوري ومع مؤسسات الدولة الشرعية ، وهذا موقفي الشخصي والتنظيمي ملتزم به ولا حياد عنه، ثانيا أنا مع السلام وضرورة إنهاء الحرب ووقف المعاناة عن طريق التفاوض، لا وقفها فقط بل إنهاءها بالانتهاء ومعالجة كل مسبباتها الامنية منها والسياسية والاقتصادية والاجتماعية…إلخ ليعيش السودانيين بسلام مستدام وكرامة، وموقف الساعي نحو السلام والتفاوض لا يتعارض مع الوقوف والاصطفاف بجانب القوات المسلحة مطلقاً لانها حرب مفروضة عليها.

بيان الحكومة: القارئ لبيان الحكومة في آخر نهار امس عقب انتهاء مشاورات جدة أنه ترك الباب موارباً ومفتوحاً لاحتمالات المشاركة والرد الإيجابي لدعوة الخارجية الأمريكية في جنيف، والتي أتمنى أن يكون قرارها ايجاباً، وموقف الحكومة الخاص بتنفيذ إعلان جدة هو موقف صحيح لا يتناطح عليه عنزتان، وهذا يجب أن يكون قضية أساسية للوسطاء (الأمريكي -السعودي -السويسري) قبل طرف الحكومة/القوات المسلحة والشعب السوداني، مثلا شخصي وغيري من ملايين المواطنين السودانيين لا يعني لهم السلام الرسمي شيئا وبيوتهم محتلة وهم مشردين نازحين ولاجئين في دول الجوار (كتر خيرهم) لايستطيعون العودة اليها، ولكن يجب على المفاوض الكريم وقيادة الحكومة/القوات المسلحة ان تعلم أين تطرح هذه القضية وتختار الزمان والمكان المناسبين لذلك، حتى تستطيع تحقيق المكاسب والنقاط لصالحها ولمواطنيها؟ اعتقد مكانها هي طاولة التفاوض، لا ان تطرح كشرط مسبق لبدء المفاوضات! يجب أن تطرح في الجلسة الاولى للاتفاق حول القضايا الإجرائية، بعد الجلسة الافتتاحية مباشرة، وتضمين هذه القضية كأحد المطالب الرئيسية في الكلمة الافتتاحية التي سيتلوها رئيس وفد الحكومة / القوات المسلحة، هنا عند حضور الإعلام والدبلوماسية والاهتمام الدولي في هذا اليوم وفي تلك اللحظة ستكون لها التأثير والحجية الأكبر، ويجب أن يشهد عليها العالم لأهميته.

 

مصير إعلان جدة: بعد الجلسة الافتتاحية، ضروري وقبل فتح التفاوض حول ملفات جديدة يجب ان يحدد مصير إعلان جدة وان يضع الوفد الحكومي / القوات المسلحة مصفوفة مضمنة اليات تنفيذه وجدولة مواعيد والتزامات والية رقابته، وهذه تعتبر جزئية رئيسية يجب إنجازها، ولو وضعت واتفق عليها هكذا سيظل هو الهدف من ناحية لوقف إطلاق النار، فأي وقف إطلاق نار لابد ان يرتبط بهدف، ولن يتبقى بعد ذلك من التفاوض سوى الترتيبات الفنية العسكرية الخاصة مثل نقاط التجمع واليات الرقابة المشتركة وتقسيم القطاعات وحسم التجاوزات والاتفاق على مناطق التواجد ومدة وقف إطلاق النار وكيفية تجديده والضمانات الداخلية والخارجية لاستمراريته…إلخ ، وبعد ذلك سيكون الاتفاق حول مسارات الاغاثة الإنسانية والتي سينحصر دور الجهات المتفاوضة بالالتزام بعدم إعاقة وصول الاغاثة وتمكين العاملين فيها بممارسة دورهم وحمايتهم…إلخ.

 

وفد الحكومة ام القوات المسلحة؟: الملاحظ هنا أنني اكتب وفد (الحكومة /القوات المسلحة) هذه النقطة ستدخل الوفد في جدل ومحاججة، حيث إن إعلان جدة وقع باسم القوات المسلحة فلو طالبنا بالالتزام بإعلان جدة هكذا بالحرف سيقام علينا الحجة بان نقبل بان يكون الوفد مسماه (وفد القوات المسلحة)، ولو طالبنا بان يسمى الوفد وفد حكومة السودان سيكون قبلنا ضمنياً إسقاط إعلان جدة، وبدينا تفاوض من جديد، لذلك اعتقد هذا هو الواقع الذي يجب النظر لما وراءه، قبل وضع الأمر هذا في الطاولة.

 

هل المسمى مهم ؟ نعم مهم ولكن الاسمين يحتاجون لوقفة حصيفة، فموقف شمولية وقف اطلاق النار يحتاج لاستصحاب اكثر من جبهة واحدة تتقاتل فيها القوات المسلحة مع متمردي الدعم السريع، ولو قسمت لمراحل سيكون مهم ففي نهاية المطاف يجب أن تصمت كل أصوات البنادق في السودان، وتبرد كل الجبهات، فمثلا لن يكون وقف إطلاق النار الذي سيوقع في جنيف ذو جدوى وفاعلية لتحقيق غرض غوث المدنيين وحمايتهم في كل أقاليم جنوب كردفان والنيل الأزرق وجزء من دارفور، حيث هنالك جهات متمردة متقاتلة حاليا ورايات ضد القوات المسلحة غير متمردي الدعم السريع ، فهي تحتاج لترتيب مشابه في جنيف أو غيرها، وفضلا عن ذلك قتال القوات المشتركة بجانب القوات المسلحة، هذه من ناحية ومن ناحية اخرى لوقف اطلاق النار هدف سياسي هو البدء في العملية السياسية في السودان لذلك يحتاج الامر لقوى مدنية متساوية لتؤسس لبناء دولة مستدامة وقطاع امني جديد بجيش وطني موحد، مستفيدة من التجارب الماضية التي أقيمت على تجزئة الحلول ولم يحالفها النجاح.

 

الإمارات: موضوع الامارات اصبحت قضية مشاركتهم كمراقبين تشكل عقبة امام بدء المفاوضات وربما قد تعصف وتعرقل رد القوات المسلحة الإيجابي لحضور مفاوضات جنيف، ومن لا يدرك كله لا يترك جله، على الخارجية الأميركية اعادة تقييم الموقف مجددا، نرى انه طالما صمم منبر جنيف لتحقيق هدف استراتيجي هو وقف وانهاء الحرب في السودان وانهاء معاناة المواطنين وتمهيد الطريق لعملية سياسية شاملة، ولم يصنع كمنبر لتحسين صورة بعض الدول واعادة التطبيع معها، وان كان حديثنا سابقا مختلفا عن انه بعد الاتصال بين رئيس مجلس السيادة ورئيس الامارات لا جدوى من طرح الأمر مجددا، إلا انه طرحت مجددا كقضية ومثلت عقبة امام تحقيق الهدف الاستراتيجي، لذا يمكن ترك الأمر لحكومة الامارات ان تقرر دون احراج للوسطاء وتقدم المصلحة العامة لتحقيق هدف المنبر من إنهاء الحرب ووقف معاناة السودانيين، واذا تعذر ذلك، افتكر يمكن ان يترك مسار العلاقة مع الامارات والتطبيع معها للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحكم صلاته مع الطرفين او لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي احمد للتوسط وقيادته بشكل موازي بين الحكومتين السودانية والاماراتية وبعيدا عن مفاوضات جنيف، وان يحشد الدعم حاليا لانجاح مفاوضات وقف إطلاق النار في جنيف.

 

متمردي الدعم السريع: موقفهم حاليا متطابق تماما مع الرافضين لمنبر جنيف من خلال التصعيد العسكري الأخير الذي شهدته الجبهات في الفاشر وأمدرمان ، فهو يسعى لتقوية التيار المناهض لجنيف واضعاف الداعمين لها داخل القوات المسلحة، فجنيف في نهاية المطاف ستحقق غاية خلق جيش وطني واحد وانهاء كافة التشكيلات العسكرية خارج القوات المسلحة، ( تصريحات المبعوث الأميركي) عن مستقبله كانت واضحة، وهذا ما يخالف دوما رغبات قيادة الدعم السريع الذين يسعون دوما لتحقيق الاستقلالية او البقاء اطول فترة ممكنة كجهات امنية مستقلة، لذلك هم في الظاهر اعلنوا استجابتهم ولكنهم فعليا يعرقلون هذه الاستجابة، ولكنهم يريدون ان ياتي الرفض من طرف القوات المسلحة لإلقاء اللوم عليها وان تحظى هي بالتعامل والاعتراف من المجموعة الدولية بعد مقاطعة القوات المسلحة للمنبر او على الاقل ان لا تجد الحرج من التعامل معها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى