
أولاً: كأنما تسابق مصر في الزمن حيث هبط مدير المخابرات حسن محمود رشاد بورتسودان امس واصطحب نظيره السوداني أحمد مفضل إلى الرئيس البرهان.. في الوقت الذي كان يختتم فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زيارته إلى القاهرة.. هذا يعني أن مصر قلقة من شيء ما – خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة.
أولى هذه الملفات أمن البحر الأحمر.. بداية من توترات الأوضاع في اليمن مرورا بتهديدات الحوثيين التي اثرت بشكل كبير على عائدات قناة السويس بشهادة الرئيس السيسي.. وبالتالي تريد مصر الاطمئنان بشان الترابط السوداني السعودي وزيارة البرهان الى مكة المكرمة 28 مارس الماضي واتفاقه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، علي تشكيل مجلس تنسيق مشترك في كافة المجالات ومؤكد علي الصعيد المخابرات سيشمل المجلس امن البحر الأحمر.
خاصة وان السودان صادق في يناير 2020 على تشكيل مجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن وتحمس جدا لهذا التجمع الذي بسببه زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحات الخرطوم وقتها خصيصا للتشاور حوله مع البرهان وكانت ارفع زيارة لمسؤول سعودي الى السودان منذ سنوات.
وامس الثلاثاء تباحث نائب وزير الخارجية المصري مع مسؤولة رفيعة بالخارجية البريطانية حول امن البحر الأحمر والاسبوع الماضي تباحث وزير الخارجية المصري مع نظيره التركي هاكان فيدان حول ذات القضية.
وللتأكيد علي ان الملف يقلق القاهرة فان الرئيس السيسي زار جيبوتي في 2021 كأول رئيس مصري يزور الدولة التي تعج بالقواعد العسكرية.. وتباحث معه حول ملفات إقليمية مهمة، من بينها أوضاع منطقتي شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، والتعاون في أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومفاوضات سد النهضة.
وظلت مصر تعلن على الدوام رفضها ما اسمته ” عسكرة البحر الأحمر” وربما تنامى الى مسامعها ان السودان اقترب من فتح مياهه الى روسيا وتركيا.. وخلقه ثنائية مع السعودية مع ان تجمع الدول المشاطئة لم يقم حتى الان.. وتعذر انعقاد قمة دعت لها الرياض بمدينة جدة وتسلم البرهان الدعوة.
ثانياً: مما يدفع مصر لابتعاث الرجل القوي – هكذا يلقب رشاد في بلاده – للاجتماع بالبرهان هو ملف إعمار السودان خاصة بعد دخول السعودية كلاعب قوى وفاعل ستنال النصيب الأكبر من “الكيكة” التي كانت مصر تأمل ان تكون صاحبة الحصة الاوفر رغم إعلانها على لسان سفيرها الهمام هاني صلاح توصلها لاتفاق لتأهيل جسري شمبات والحلفايا وتحدثت عن إمكانية صيانة سد مروي.. بيد ان حظوظ الشركات الفرنسية اكبر بالنسبة للاخيرة.. لكن السعودية تقدمت الدول التي ستساعد السودان في إعادة إعمار ما دمرته الحرب من خلال صدور توجيه ملكي من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بتشكيل لجنة رفيعة لملف السودان كانت هي الانشط والاكثر فاعلية برئاسة سفير السعودية بالسودان علي بن حسن الذي لعب دورا كبيرا في تطوير علاقات البلدين.. ووصلت اللجنة الأسبوع الماضي الى بورتسودان وضمت جهات لها ثقلها الدبلوماسي والإنساني والمالي بالمملكة (الخارجية السعودية، مركز الملك سلمان للإغاثة، صندوق التنمية السعودي، وصندوق الاستثمارات السعودية).. واجتمعوا مع جهات سودانية واستعرضوا الأولويات.
بالتالي تتخوف مصر من تأثر تصوراتها في مشروعات اعمار السودان التي ستنعش خزانتها.
ثالثاً: كذلك من الملفات التي تشغل بال مصر وتريد تطمينات من البرهان.. تهديدات عصابات حميدتي باجتياح الولاية الشمالية.. وامس قبيل وصول مدير المخابرات قصفت المليشيا محولات الكهرباء بالشمالية مما تسبب في اظلام شامل.. ومصر لها قنصلية في وادي حلفا رفعتها الى قنصلية عامة.. كذلك حركة واردات السلع والبضائع من مصر تتم عبر بوابة الولاية الشمالية.. واكثر من مرة وجهت قيادات المليشيا تهديدات مباشرة الى مصر وظلت توجه اليها اتهامات بإسناد الجيش السوداني.
رابعاً: توتر الأوضاع في دولة الجنوب واقترابها من الانفجار بين الرئيس سلفاكير ونائبه الأول رياك مشار الذي وضع قيد الإقامة الجبرية يقلق مصر الي حد كبير.. وليس من دولة تزيح تلك الهموم عن كاهلها غير السودان الذي يمسك بخيوط اللعبة الجنوبية.. وبيده مفتاح خزانة جوبا التي تتغذى من النفط الذي يمر عبر الأراضي السودانية.. وكما لا ترغب مصر في اندلاع حرب في الجنوب علي حافة النيل مما يسبب لها تهديدا امنيا يوثر علي المياه التي هي روح مصر وتنعكس على الزراعة.. ولا ننسى ان اثيوبيا وضعت سيفا على رقبة مصر بتشييد سد النهضة.
خامساً: ملفا إسرائيل وايران جديران بالمناقشة مع البرهان.. خاصة اذا اعتبرنا ان مصر سلمت بصحة مزاعم زيارة سرية قام بها مستشار الرئيس البرهان، الفريق الصادق إسماعيل الى تل ابيب مؤخرا.. مع العلم ان الصادق لم يغادر بورتسودان الا قبل ثلاثة أيام الى المملكة السعودية في إجازة خاصة قصيرة.. لكن أي ذكر لتل ابيب يثير حفيظة القاهرة.. التي أصدرت بيانات عنيفة في مواجهة الاولي لان ما بجري في غزة يشكل تهديداً للأمن القومي المصري.. حتي ان رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، اجرى زيارة نادرة قبل اشهر قلائل تفقد الوضع الأمني على الحدود مع قطاع غزة، وقبلها كانت إسرائيل سيطرت على معبر رفح، واطلق الجنرال المصري تحذيرات لإسرائيل وكان يقف على مقربة من الجدار الفاصل بين قواته والقوات الإسرائيلية موكدا قدرة جيشه الدفاع عن مصر.
اما بالنسبة لإيران فان التقارب الكبير بينها والسودان منذ تبادل السفراء وفتح السفارتين بالبلدين وامتلاك طهران صلات وثيقة مع الحوثيين مسائل تحتاج في مقابلها مصر من البرهان ان يبعث في نفسها الامن.
سادساً: الملف الليبي هو الآخر يقلق مضاجع مصر.. فمن جهة تدعم الأخيرة خليفة حفتر الوثيق الصلة بمليشيا الدعم السريع المعادية لمصر.. ومن جانب آخر هناك تقارب كبير للسودان مع تركيا قد يفاجئ البرهان العالم بمنح اردوغان وجود في البحر الأحمر وهو أمر – اذا ما تم سيقلق مصر – التي ظلت رافضة لأي وجود اجنبي في البحر الأحمر.
ومن جهة ثانية فان العلاقات السودانية الروسية تشهد تطَورا.. وكان وزير الخارجية علي يوسف انهى زيارة ناجحة الى موسكو في فبراير الماضي بدعوة من نظيره سيرجي لافروف وهي الزيارة الناجحة التي احكم تنسيقها وباقتدار سفير السودان لدى روسيا محمد الغزالي سراج وأثارت َمخاوف دول صديقة ومشاطئة بالبحر الأحمر.. عقب اعلان الوزير علي يوسف خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع لافروف إن السودان وروسيا توصلا إلى تفاهم بشأن الاتفاق حول قاعدة البحرية الروسية.. وقطع بانهم “متفقون تماما في هذا الموضوع ولا توجد أي عقبات”.
*ومهما يكن من امر فان البرهان وهو يستقبل الضيف المصري يقف على ارضيه صلبة.. بعد الانتصارات الباهرة التي حققها الجيش خاصة دحرة للمليشيا من الخرطوم.. لكن يبقى الرهان علي ان تستثمر الحكومة الفرصة لتقوي موقف السودان في المحيط الاقليمي.. والامر موجه لمدير المخابرات مفضل.
osaamaaa440@gmail.com