
“عطلة عيد الأضحى ليست 9 أيام.. بل 99 يوما كاملا..”.. قد لا يُصلح أن يُنشر علنًا، في الهواء الطلق، كل ما يتعلق باللاعب رقم “11”. فالمباح المتاح له حدود، لكنه وصية للدكتور كامل إدريس: نصفها مفتوح، والنصف الآخر مختوم بالشمع الأحمر.
السودان، في وضعه الراهن، محكوم بعوامل داخلية يمكن التحكم فيها وطنيًا، وعوامل خارجية معقدة لا يمكن التحكم بها، لكن بالإمكان إدارتها. وهناك فرق كبير بين التحكم والإدارة.
اللاعب رقم “11” يمتلك قدرة ثلاثية: التقدم، التأخر، والبقاء في مكانه، في آن واحد.
أن ينظر إلى الأمام ويتقدم وفق خطة لتحقيق الهدف.
أن يتراجع لحماية المنطقة الخلفية ومنع إحراز الأهداف العكسية.
أن يقف في موقعه بهدوء ليضبط إيقاع التقدم والتأخر.
السودان اليوم يواجه حربًا مدمرة تهدد وجوده، لا تسمح بالتوقف. التعامل مع يومياتها أشبه بتبديل إطار سيارة وهي مسرعة. تداعيات هذه الحرب، في أفضل حالاتها، قد تُخرج سودانًا جديدًا يتجاوز مربع الفشل الوخيم الذي غرق فيه منذ ميلاده في الأول من يناير 1956، بل ربما منذ انطلاق قطار الحكم الوطني الذاتي في 1953-1954.
وفي أسوأ السيناريوهات -لا قدر الله- قد تُشطب كلمة “السودان” من قائمة الدول، لتصنع بدلاً منها مشتقات، كما حدث مع “جنوب السودان”، فتصبح هناك دول “شرق” و”غرب” و”شمال” و”وسط” السودان، إن لم يكن أكثر.
وبين الأفضل والأسوأ، هناك سيناريوهات عدة تحافظ على الجرح القديم، تبقي الوطن في انتظار كارثة أخرى قد تتأخر، لكنها لن تخلف الميعاد.
اللاعب رقم “11” لا ينتظر أيًا من هذه السيناريوهات، بل يصنع الواقع والمستقبل.
الواقع: هو ما يظهر للعيان، وما هو مخفي ومحاط بالحجاب.
في الظاهر، رئيس الوزراء محكوم بالساعات، وليس بالأيام أو الأسابيع أو الشهور أو السنوات. وحدة قياس الزمن هنا هي “الساعة”.
على سبيل المثال، يرتكب كامل إدريس خطأً جسيماً إذا ظن أن عطلة عيد الأضحى أسبوع قصير لالتقاط الأنفاس -رغم أنه لا يزال في مرحلة الإحماء ولم يدخل الملعب بعد- الحقيقة أن عطلة العيد هي:
9 أيام = 216 ساعة = 216 دورة عمل. كل ساعة تعادل، في أقل تقدير، 11 مثلها، ليصبح الإجمالي 2376 ساعة، أي ما يعادل 99 يومًا.
هذه المدة الزمنية لا تُقاس بالبعد الأحادي، ولا البعد الثاني ولا الثالث..بل بالبعد الـ”11”.
وفق المسألة الحسابية الشهيرة: إذا كان عامل واحد يرفع صندوقًا واحدًا في الساعة، فكم يرفع 11 عاملاً؟ الإجابة واضحة.
ما يفعله كامل إدريس وحده في يوم واحد، يمكن أن يكون 11 ضعفًا إذا قاد فريقًا من 11 فردا، كل منهم لا يقل عنه قدرة وخبرة، ولكن كل في مجاله.
مثال: من أبرز التحديات التي تواجه السودان نظام الحكم والإدارة. فهو خليط من الفوضى المتجذرة التي تعرقل تقدم الدولة السودانية، أشبه بمسابقة كنا نمارسها في المرحلة الابتدائية: يضع المتسابق رجليه في جوال، فلا يستطيع المشي أو الركض إلا قفزًا، ثم يُطلب منه القفز حتى نهاية المضمار، فيسقط بين كل خطوة وأخرى.
نظام الحكم في السودان ليس ولايات ولا أقاليم ولا محليات ولا لجان قاعدية. لا أحد من خبراء الإدارة يستطيع أن يحدد بدقة الوظيفة الطبقية (Layer) المنوطة بكل هذه المستويات، وما علاقتها بالنشاط السكاني -وليس الخدمي- تحديدًا.
من الممكن تصميم نظام حكم وإدارة فعال دون إخلال بإيقاع الحياة والعمل الحالي، كتبديل إطار السيارة وهي تسير. وذلك بأسلوب بسيط يعتمد مبدأ المسارات المتوازية، التي تتيح لفرق الخبراء العمل بشكل مستقل لتحقيق أهداف مشتركة.
مثال آخر في التقدم:
السودان محكوم حاليًا بعوامل قاسية ترتبط بوضعه المأزوم عامة، والاقتصادي خاصة، وشح خياراته تبعًا لذلك، مما يجعله دولة مصنفة عالميًا وإقليميًا “ضعيفة”. أي أنه يجوز في حقه الصفع والركل والتجاهل دون أدنى إحساس بتأنيب الضمير العالمي.
هنا يجب طرح السؤال الجريء: كم من الوقت يجب أن ننتظر حتى يصبح للصفع والركل ثمن وفاتورة مستحقة؟ ثم كم من الزمن حتى يمتنع الصفع والركل؟ وكم من الزمن حتى يتحول السودان ليكون في مقام الصافع الراكل، لا المصفوع المركول؟
هنا تتحول الإجابات إلى بند “سري للغاية”، لأنها تتقاطع مع حسابات الآخرين الذين لهم مصلحة في إبقاء السودان حيث هو.
ونواصل