الرئيسيةمقالات

توتر العلاقة بين سلطة الطيران المدني وشركة المطارات

تحديات ما بعد الحرب (5).. العلاقة المتوترة بين سلطة الطيران المدني وشركة المطارات

كتب- إبراهيم عدلان- “عنوان الورقة: ثقافة المؤسسة كمفتاح لإصلاح العلاقة بين سلطة الطيران المدني والشركة السودانية للمطارات بعد الحرب”.

 

 

في سياق جهود إعادة بناء قطاع الطيران المدني السوداني بعد الحرب، لا تقتصر التحديات على البنى التحتية، أو القدرات الفنية، أو المنظومات الرقمية، بل تتجاوزها إلى ما هو أكثر تعقيدًا وأعمق تأثيرًا: ثقافة المؤسسة.

 

 

 

وفي قلب هذا التحدي، تقف العلاقة المتوترة بين سلطة الطيران المدني والشركة السودانية للمطارات كنموذج حي للاختلال الثقافي بين مؤسستين يُفترض أن تربطهما الشراكة المهنية لا التنافس التنظيمي.

 

 

 

 

فما حدث خلال السنوات الماضية – وما تفاقم بفعل الحرب – لم يكن خلافًا في المهام أو الصلاحيات فقط، بل كان في جوهره خللًا في ثقافة الانتماء، ومفاهيم الولاء، وأسس التنسيق، وأدبيات الرقابة.

 

 

 

 

ومن هنا، تطرح هذه الورقة ثقافة المؤسسة باعتبارها مفتاحًا لإعادة إنتاج بيئة صحية بين الطرفين، وبناء شراكة قائمة على الاحترام، الانسجام، والمهنية.

 

 

 

 

أولًا: جذر الإشكال – انقسام ثقافي لا إداري فقط

منذ أن تحوّلت سلطة الطيران المدني إلى جهة رقابية، وأصبحت الشركة السودانية للمطارات كيانًا تشغيليًا مستقلًا، برز نوع جديد من التوتر المؤسسي، يمكن تلخيص أسبابه في ما يلي:

  1. الانتماء المزدوج:
  • معظم منسوبي الشركة هم في الأصل كوادر سابقة للسلطة، ما خلق حالة من الانفصام بين الانتماء العاطفي والمؤسسي.
  • في المقابل، ظلت السلطة تنظر لهؤلاء كمتحوّلين وظيفيًا، دون إعادة تأطير ثقافي للعلاقة.

 

 

 

  1. التمييز الراتبي:
  • الفوارق الكبيرة في الرواتب والحوافز ولّدت مشاعر غبن واحتقان، وعمّقت الإحساس بعدم العدالة بين العاملين في الجهتين.
  1. التنافس بدل التكامل:
  • في غياب رؤية مؤسسية موحدة، تحوّلت العلاقة من شراكة نحو تبادل الاتهام أو الحذر المهني، مما سمّم التنسيق حتى في المسائل الفنية الدقيقة.

 

 

 

  1. التضارب بين الرقابة والسرّية:
  • السلطة تمارس الرقابة، والشركة ترفع شعار “السرّية المؤسسية”، والنتيجة: معلومات محجوبة، صلاحيات مقيدة، وثقة مهزوزة.

 

 

 

  1. ثقافة الحمية والتحيّز:
  • تغلّبت الانتماءات الضيقة – سواء كانت مناطقية، وظيفية، أو شخصية – على مبدأ الانتماء الوطني والمهني، مما شوّه صورة المؤسسة في أعين منتسبيها.

 

 

ثانيًا: أثر الحرب – تفاقم التشظي الثقافي

لم تكن الحرب مجرد أزمة سياسية أو أمنية، بل كانت اختبارًا قاسيًا لبنية الدولة ومؤسساتها.

وفي قطاع الطيران المدني، ساهمت الحرب في:

  • تفكك فرق العمل وتشتت القيادات بين جهات مختلفة.
  • تعليق بعض مهام الرقابة بسبب غياب الأجواء التشغيلية.
  • تضخم النزعة الدفاعية لكل مؤسسة عن كيانها.
  • تآكل الثقة المهنية بين الطرفين.

وهكذا، خرجت الحرب لتكشف أن الثقافة المؤسسية كانت هشة أصلًا، وأن البناء لا يمكن أن يتم دون إصلاحها من الداخل.

 

 

 

 

ثالثًا: ثقافة المؤسسة كمفتاح إنتاجي

إن أي إصلاح إداري أو فني لن يؤتي ثماره ما لم يُبْنَ على أساس ثقافي واضح ومتين. وهنا يبرز مفهوم ثقافة المؤسسة بوصفه القاعدة التي تُبنى عليها:

  • روح الفريق
  • احترام المهام المتبادلة
  • القبول بالرقابة
  • العدل في التقدير والتعويض
  • الانتماء للقطاع لا للجهة

وبالتالي، تصبح ثقافة المؤسسة ليست فقط “قيمة معنوية”، بل مفتاحًا إنتاجيًا يُحدث فارقًا في:

  • الأداء التشغيلي
  • التنسيق بين الجهات
  • قدرة المؤسسة على جذب الكفاءات والمحافظة عليها
  • كفاءة النظام الرقابي الوطني أمام الهيئات الدولية

رابعًا: خارطة طريق لإصلاح العلاقة من منظور ثقافي

  1. ميثاق ثقافي موحد:
  • يُوقَّع من الطرفين، ويشمل مبادئ الشفافية، الاحترام، التنسيق، ورفض التحيّزات المؤسسية أو الشخصية.
  1. كود مهني للرقابة:
  • يُفصّل في دور السلطة كمراقب مهني لا كمهيمن إداري، ويضمن وصولها للمعلومات دون تهديد لاستقلال الشركة.
  1. إصلاح هيكل الأجور:
  • لمعالجة التمايز الراتبي عبر هيكل مرن ومتوازن، يعترف بالمهام لا بالجهات.
  1. برامج إعادة التأهيل الثقافي:
  • تدريب مشترك للعاملين في السلطة والشركة حول فلسفة الدور الجديد لكل طرف، وكيفية بناء الثقة والعمل الجماعي بعد الحرب.
  1. مجلس تنسيق مؤسسي دائم:
  • يجمع القيادات العليا من الجهتين لمراجعة الأداء، وحل الخلافات، ومراقبة جودة العلاقة المؤسسية.

 

 

 

لقد آن الأوان بعد الحرب ألا نبني مدارج الطائرات فقط، بل نُرمم مدارج الثقة.

وأن نعيد تصميم الأبراج وأنظمة الرادار، لكن بعد أن نُعيد بناء أبراج المفاهيم، ومنظومات السلوك المهني.

ففي نهاية المطاف، لا تنهض المؤسسة بجدرانها، بل بثقافتها.

وثقافة المؤسسة، حين تُبنى على العدالة، والاحترام، والمهنية، تصبح هي نفسها ضمانة السلامة، ومصدر الجاذبية، ومفتاح الإنتاج في سودان ما بعد الحرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى