الرئيسيةقضايا ومجتمع

الفجر الصادق ـ اكتمال العبور بالمقرن

الفصل السابع: الفجر الصادق ـ اكتمال العبور
عودة النقيب الفاضل سعيد سالماً كانت نقطة التحول الحاسمة فقد أثبتت العملية البطولية أن أي دعم يصل لهذه القوة لن يذهب سدى عادت العربة التي كان يقودها وملامحه تحمل إيمانًا لا يتزعزع وكأن بين يديه خبر النصر لا مجرد صناديق الذخائر كانت محمّلة بوجبات الطوارئ وذخائر إضافية وإسعافات أولية لكنها حملت أيضًا شعورًا بالطمأنينة والأمل الجديد لقد أكد ذلك أن من في المقرن ليسوا وحدهم وأن كل طلقة صمود ستقابل بدعم مباشر بكل حزم وإرادة .

كانت العودة مخاطرة بحجم وطن حاولت المليشيا استهداف العربة أثناء عودتها للمرة الثانية إلا أن عناية الله سبقتهما وظلت العربة تتحرك وسط النيران والدخان بين الركام والزجاج المتساقط وكأنها قطعة من إرادة صافية تتحدى الموت.

الرائد جمال الدين النضيف واجه لحظة حاسمة في الميدان القتال هل يترك موقعه ليشرح الوضع للقيادة؟ كان يرفض معاندًا قدره بشرف لكنه عند حلول الليل اقتنع أن الموقف يتطلب أكثر من الصمود رؤية شاملة ونقل الصورة كما هي عبر إلى أم درمان حاملاً تفاصيل أربعة أيام من النار والتراب والدم ووجوه الشهداء الذين كتبوا أسماؤهم في سجل البطولة.

 

بعد محاولة استهداف عربة الإخلاء شوهد شخص يتحرك بحذر بين الركام محاولًا إخفاء نفسه عن أعشاش القناصة على المناطق العالية ونقاطهم الحصينة وصل إلى مدخل الكبرى وعرف عن نفسه بأنه من “كتيبة المجاهدين والجهاز المختلطة” وأرسل ليستطلع الموقف بعد مشاهدة العربة التي كانت تنقل الإمدادات, صوته حمل مزيجًا من الدهشة والإعجاب نظر إليه النقيب منتصر قبل أن يصافحه بحزم مؤكدًا أن الكتيبة ستدخل ليلاً لتعزيز الموقف في المقرن.

تم تحديد منتزه المقرن العائلي كنقطة تجمع وبدأت التعزيزات تتدفق في الساعة الثانية والنصف ليلاً تكاملت قوة المجاهدين والجهاز المختلطة في المنتزه عند الثالثة صباحاً ووصلت كتيبة مشاة من “متحرك الشهيد رضا” التي إندفعت إلى الأمام بثقة ودقة تكتيكية وفي الرابعة صباحاً إندفعت نحو منطقة المقرن 6 عربات مدرعة صينية من الفئة 6×6 TYPE-05P تتبع لقوات سلاح المدرعات مدججة بمدافع 30 ملم الثقيلة التي كانت ولازالت تشكل بقدراتها القتالية الحضرية رعباً كبيراً على قوات العدر لتصبح القوة صلبة كالجبل, الجنود نظروا حولهم أعينهم قد لمعت بالإرادة والفخر عرفوا أنهم كتبوا فصلًا جديدًا في تاريخ الحرب ضد مليشيا الدعم السريع وقد حصلوا على مبادرة وزخم قوي ضد المليشيا.

مع دوي المدافع وصوت الزجاج المتكسر والركام المتساقط من المباني المحيطة الجنود تبادلوا إشارات صامتة مع تغطية بعضهم البعض, كتيبة المشاة تندفع على طول الطريق بينما تستخدم المباني كغطاء وتحافظ على مسافات قصيرة جداً عبر معانقة العدو لتقليل تأثير قصف العدو, النقيب منتصر يرفع علامة صمت ويشير بيده للتقدم تدريجياً مع تعليمات واضحة لكل فرد كل خطوة محسوبة كل طلقة محتسبة الشمس تتسلل خلف دخان المعركة ثم تضفي ضواء باهتاً على الخراب والركام تم استلام العديد من المناطق المتقدمة من منطقة المقرن حتى الطريق الفاصل أمام بنك السودان ما عدا برج شركة زين كان المشهد لوحة حية أعمدة الدخان تتصاعد في السماء ألوان النار والجنود والمدرعات يتحركون وسط الرماد والركام كأنهم أشباح صامدة .

 

في تلك اللحظات بدا أن الزمن نفسه توقف قليلاً كل خطوة كل طلقة وكل تحية وهمسة من القادة كانت تحمل وزن السودان برمته العيون المرهقة تراقب الأفق والقلوب تنبض بإصرار بينما شبح الخطر يلوح من كل زاوية.

الأبطال لم يكونوا مجرد مقاتلين بل رجالًا يحملون قصصًا وجراحًا صامتة لوطن أن من مليشيا ومرتزقة من كل فج وضحكات أخفت خوفًا قاتلًا ,في قلب المعركة كانوا يتبادلون كلمات التشجيع ومصافحات الصبر والدعم ولمسات العزاء لزملائهم الشهداء والمصابين مظهرين أن الإنسانية والبطولة يمكن أن تتعايشا حتى في أعمق الحروب.

إستغرقت العملية التي كان من المفترض أن تكتمل في ساعات أربعة أيام من الصبر والعزم والبطولة والصمود الأسطوري لقد إنتصرت إرادة 36 رجلاً على مليشيا كاملة حشدت في تلك البقعة المدنية شديدة التعقيد, حول هؤلاء الرجال خطراً تكتيكياً وشيكاً إلى أعظم انتصارات الحرب وتركوا المقرن رمزًا خالدًا للعزم البشري والإيمان بالواجب فوق كل شيء.

لقد شكّل النجاح الباهر الذي حققه الأبطال في تلك العملية الدقيقة والتاريخية نقطة تحول فارقة في مسار المعركة فبموطئ القدم الذي انتزعته القوات المسلحة السودانية في منطقة المقرن انفتح أمامها مجال واسع لاندفاع بقية التشكيلات الوطنية من قوات الشرطة والمجاهدين وقوات الاحتياطي المركزي ووحدات جهاز المخابرات العامة وقوات فاغنر ,هذا التمركز لم يكن مجرد مساحة على الخريطة بل كان جبهة ضغط نشطة وحيوية أربكت حسابات مليشيا الدعم السريع وفرضت عليها نمطاً دفاعياً خانقاً حتى تمكّنت القوات من فك الحصار المضروب على وحدات سلاح الإشارة والقيادة العامة.

وبفضل هذا الإنجاز بدأت سلسلة من العمليات العسكرية الحاسمة مهدت الطريق لتحرير وسط الخرطوم بكل رمزيته ومفاصله الإستراتيجية من مباني القصر الجمهوري وبنك السودان المركزي ومقر الكتيبة الإستراتيجية وحتى قلب السوق العربي ,لقد أثبتت التجربة أن رأس الجسر مهما كان صغيراً يمكن أن يكون المفتاح الذي يفتح أبواب النصر وأن جرأة الميدان قد تعيد للمقاتل زمام المبادرة بعد شهور من الفقدان العملياتي ذلك الفقدان والذي التي كان وليد الغدر من القوة التي خانت العهد داخل الخرطوم.
إن ما تحقق في المقرن لم يكن نصراً عسكرياً فحسب بل كان إعلاناً عن عودة الروح وإرتداد الصدى إلى كل جبهة تقاتل ورسالة واضحة بأن النصر يبدأ بخطوة ثابتة على أرض المعركة مهما بدت تلك الخطوة في بدايتها صغيرة.

المصدر منصة القدرات العسكرية السودانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى