
بقلم – عثمان ميرغني
من الحكمة أن يبدأ الانفتاح الخارجي بمباحثات مباشرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، فهي دولة ذات تأثير إقليمي ودولي، والعداء معها يعقّد التعامل والشراكات مع دول العالم، حتى الصديقة منها.
ظهرت فكرة “حكومة المنفى” لأول مرة في منتصف العام الماضي 2024، حيث رددتها قوى سياسية منضوية تحت مظلة “تقدم”، واصفة الحكومة الشرعية بـ”حكومة الأمر الواقع” أو “حكومة بورتسودان”.
ساهم الوضع الداخلي في السودان في انتشار هذه الفكرة وتأججها، حيث اختفت مؤسسات الدولة لصالح سلطة محدودة تضم عدداً قليلاً من أعضاء مجلس السيادة. غاب رئيس الوزراء، ولم يبقَ من الوزراء سوى مجموعة اتفاق جوبا، كما اختفت المؤسسة الدبلوماسية بعد غياب جسدي لوزير الخارجية لأشهر، تلاه انحسار وظيفي. اختفت مؤسسات العدالة أيضاً، مما سهل منازعة الشرعية والطمع في الحصول على اعتراف إقليمي ودولي.
تطورت الفكرة لاحقاً من “حكومة منفى” إلى “حكومة موازية”، كما أُطلق عليها. ومع إغراء الفراغ الدستوري والمؤسسي والعزلة الدولية التي يعاني منها السودان، حققت الفكرة قفزة ثالثة بالتوقيع على ميثاق تحالف “تأسيس” في نيروبي، ثم إعلان ما سُمي بـ”حكومة السلام” قبل أشهر في مدينة نيالا، وأخيراً أداء القسم قبل يومين، وعقد أول اجتماع للمجلس الرئاسي لحكومة “تأسيس” أمس.
هناك علاقة طردية بين طول أمد الحرب وتحولات أطوارها السياسية. بدأت هذه التحولات منذ اليوم الأول في 15 أبريل 2023 بحديث عن القبض على قائد الجيش، ثم بعد تعذر ذلك، رُفعت رايات تطالب بالديمقراطية بعد وأد الاتفاق الإطاري والحكومة الانتقالية. لاحقاً، تحولت الرايات إلى ثورة ضد “دولة 56” دون تحديد واضح لأوصاف هذه الدولة المؤودة، ثم انتقلت إلى جدلية الهامش والمركز.
مع توالي الإدانات الدولية للانتهاكات الواسعة وجرائم الحرب والتطهير العرقي، انهارت كل هذه الشعارات ولم يتمكن أحد من إعادة الحياة إليها. هنا برزت فكرة الحكومة بتحوراتها الثلاثة.
لأكثر من عام، سيطر الدعم السريع على الخرطوم بمقارها الرئاسية والوزارية وحتى البرلمان، لكنه لم ينجح في تشكيل حكومة، كما كانت تفعل الانقلابات الناجحة والفاشلة في السودان، التي كانت تكتفي بالسيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون ثم القصر الجمهوري، ليُذاع “البيان رقم واحد” ويستلم الانقلابيون مفتاح البلاد.
الآن، بعد أن استعاد الجيش ولايات الوسط ويتأهب للقفزة النهائية لاستعادة إقليم دارفور، تحاول قوى سياسية، ممتطية ظهر دبابة الدعم السريع، السيطرة على السلطة من “نيالا”. جنين ميت في رحم أمه!
مع ذلك، تبقى الثغرة قائمة في الحكومة الشرعية، التي تتحرك ببطء شديد وتتأخر كثيراً في تصميم سياسة خارجية فاعلة والانفتاح على المجتمع الدولي وإقامة شراكات متعددة الأطراف. العالم يبحث عن المصالح المشتركة، والسودان في وضع مثالي لجذب الاستثمارات وتعزيز المصالح الاقتصادية مع الدول المؤثرة إقليمياً ودولياً.
من الحكمة أن يبدأ الانفتاح الخارجي بمباحثات مباشرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، فهي دولة ذات تأثير إقليمي ودولي، والعداء معها يعقّد التعامل والشراكات مع دول العالم، حتى الصديقة منها.