الرئيسيةقضايا ومجتمع

24 بصًا يوميًا لنقل المبعدين من مصر.. تفاصيل معاناة في وادي حلفا

متابعات- منتدى السودان- ازداد المعدل اليومي لبصات الترحيل من مصر الى معبر أشكيت وحده الى 24 رحلة في اليوم الواحد، بما يعادل  1200 شخص بينهم العجزة والمرضى والنساء، وحتى ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال، حيث تزداد المعاناة بعد الوصول لمدينة وادي حلفا التي ضاقت سعتها على تحمل هذا الضغط المتزايد.

 

 

في وقت تشهد فيه الولاية الشمالية انخفاض درجات الحرارة والرطوبة العالية حيث اكتظت الفنادق وأغلقت المساجد والمدارس ومراكز الإيواء (الثلاثة) (الكلية والحديقة وبيت الشباب) في وجه القادمين الذين يعانون أوضاعاً مأساوية ويفترشون أرض الميناء البري الجديد دون أي حماية من الأتربة وأشعة الشمس

 

 

وشهد مطلع الأسبوع الجاري زيادة مهولة في أسعار تذاكر البصات السفرية والحافلات (الشريحة) إلى ضعف السعر السابق (70 الف جنيه) الى مدينة عطبرة بدلاً عن (35 الف) الأسبوع الفائت، وقد عزت غرفة النقل ذلك الى فرض السلطات للزكاة بواقع 350 الف وإجبار الشركات على الدفع الفوري قبل مغادرة الميناء.

 

 

وشهد الميناء البري وما يزال حركات تنازع بين السلطات وأصحاب الشركات، بحصر حصص النقل على الشركات المصدقة بمحلية حلفا، وهي لا تتعدى الخمس شركات أبرزها أبوعامر والعزيزيزية وأبوهشام، الأمر الذي أدى الى خروج عدد كبير من البصات المصدقة على مدن أخرى من دائرة الخدمة، الأمر الذي ضاعف من الأسعار، حيث عادت هذه البصات الى مناطقها دون ركاب رغم اكتظاظ الموقف بعشرات المرحلين من جمهورية مصر، الذي اعتبرها المواطنون تخبطاً وانحيازا أشبه بالفساد يحدث عنه المجتمع بصوت عالي

 

 

(الميدان) زارت الميناء البري الجديد الذي يشهد حركة إصلاحات وتشييد لعدد من الدكاكين حول الموقف، الذي بدأت فيه عملية السفلتة حيث تتراص الأمتعة في قلب الساحة، وحولها يفترش المرحلون الأرض المطلة على البحيرة التي أصبح ماحولها مكاناً لقضاء الحاجة، رغم توافر الحمامات وذلك لإنعدام السيولة وضعف شبكة الإتصالات وتعطيل تطبيق بنكك وغياب سماسرة العملة، لعدم وجود رغبة في شراء الجنيه المصري وبقية العملات…

 

 

في الأثناء تشهد مكاتب المحاميين بقلب المدينة ومنطقة الطواحين التي لجأ اليها العشرات من الشباب بحثاً عن فرص العمل وتقديم شكاوى قانونية ضد السلطات المصرية، التي إنتهكت حقوقهم الدستورية خاصة الذين يحملون بطاقات ملونة من المفوضية السامية للاجئين ..

 

 

وفي ذات السياق طالب حقوقيون وناشطين بوادي حلفا بضرورة مراجعة أداء الجهات المناط بها خدمة المبعدين من مصر وتحديداً الجهات التي تتلقى الدعم المباشر من منظمة الهجرة الدولية، وطالبوا بإشرافها بنفسها على عملية دعم وتسهيل وصول المبعدون الى ديارهم، حيث كان ديوان الزكاة يقوم بدعم المرحلين بتذاكر السفر الى مدينة عطبرة، وكانت المنظمة تدعم مالياً ذات الفئات بشرط الحصول على ختم الترحيل في الجواز أو خطاب ترحيل في معابر الوصول، حيث تم إيقاف هذه العملية دون إيقاف الدعم الذي لا يصل لمستحقيه.

 

ست البنات صلاح علي قالت إنها وأفراد أسرتها ظلوا لأكثر من 15 يوم في معاناة متواصلة في مصر، بعد أن تم القبض عليهم داخل الشقة مع بناتها الثلاثة، ولم تتاح لهم الفرصة لأخذ متاعهم أو إستلام أموال محولة لهم بمصر، وهم الآن في حيرة من أمرهم ولا يملكون ما يسد رمقهم ولا متطلبات الترحيل التي تكلف ما يقارب المليار على حد قولها، وأبانت أنهم تركوا شاباً صغيراً لم يتعدى السابعة عشر من العمر خرج لإحضار بعض الإلتزامات وهو لا يملك مالاً ولا إتصال بأي من أقاربهم في الخارج.

وأشارت ست البنات الى أن معانتهم تفاقمت في السودان وتخشى من طول الإقامة بهذا المكان …

من جهتها قالت أسماء الزين إنها سعيدة بالوصول للسودان، كانت أمنية لكن لم تكن تريدها بهذه الصورة المهينة، وقالت إنها تحمل كارتاً من المفوضية وتسلمت دعماً لعدة مرات وتعرضت لعملية نهب من ضمنها الكارت الذي كان سبب ترحيلها الى السودان.

 

 

جمال بابكر علي عمر وزوجته أماني إبراهيم علي عمر حكوا مرارة ما واجهوا، حيث وصلوا إسوان من بورتسودان بعد ثلاثة ليال قاسية، وباتوا ليلة بأسوان وأقبلوا على قطع تزاكر البص الى القاهرة، وبعد الدفع مباشرة منعوا من الجلوس في مقاعدهم بالقطار، حيث تم إقتيادهم الى السجن ومن ثم وادى حلفا بعد أن فقدوا أكثر من مليار جنيه وهم الآن مرابطين ما بين المعبر والميناء البرى بحثاً عن أمتعتهم التى تخلفت بأسوان…

 

 

(ع. م ك) إستمع للحوار السابق وأصر لإصطحابنا الى أسرته التي تتكون من أمه وأخته وشاب معاق، وقال إنهم صرفوا كل ما يملكوا من مدخرات جراء رحلتهم الى القاهرة هرباً من جحيم الحرب وتداعياتها، ولم تمر أشهر قليلة حتى تمت إعادتهم الى المربع الأول، وقال إنه محتار بالذهاب الى أمدرمان أو البقاء في الشمالية التي طرق فيها أبواب مراكز الأيواء ليضمن وجبة عدسية لأسرته كما قال، حيث لا يوجد عائل غيره بعد أن فقدت الأسرة كافة مقتنيات المنزل، وناشد المسؤلين والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بالنزول للمواطن الذي لا يريد سوى السترة والتواجد بمناطق آمنة ..

 

 

 

صفية محمود 25 سنة كانت تتجادل مع سائق الشريحة الوحيدة المصدق لها بنقل الركاب بعد أن غادرت الثلاثة الأخريات، قالت إن السائق طلب منهم مبلغ 180 الف جنيه للراكب الواحد كيما يتسنى له توصيلهم إلى منطقة الكريبة شمال ود مدني، وبعد إنتهاء الجدل التفتت إلينا وقالت لماذا لا تتدخلوا وتجبروا هؤلا الظلمة الإستغلاليين على حد وصفها بمراعاة ظروف المواطنون، فسيأتي المرحلين ومعاناة كبارنا صمتنا جميعاً ولكني إستأذنتها بنشر كلماتها وكشف حجم المعاناة التي تعرضوا لها داخل بلاده، فرحبت بالطرح وشرحت كيف تم القبض عليها وأمها وأربعة من إخواتها وأطفالهم الـ (11)،  والذين رسموا لوحة حزينة حول موقف البصات، وظلوا يشكلون مادة تخفيفية لأسرتهم ومرافقيهم المعاناة، قالت بقينا في السجن 12 يوم حالما تم تجميعنا في مكان واحد بالسجن الفسيح، وأضافت كما ذهبنا عدنا لا نحمل غير الشوق لأرض بلادنا ولعزاء الأسرة التي فقدت ثلاة من الأخوان مازلت أمهم لا تعلم الا بإستشهاد الأول فقط…

 

 

صفية سألت عن مصير من لا يجدون مبالغ الترحيل الباهظة هل سيظلون على هذا الوضع الى ما لا نهاية، وهمست في أذن المسؤلين طالما عجزتم عن إنصافنا من ظلم الجارة الكذوب فأنصفونا داخل أرضنا ..

 

 

وكان عدد من الشباب قد عزفوا بالحديث إلينا رغم أنهم يشكلون الأغلبية العظمى من محتملي المعاناة إلا أن ( س.م) 20 سنة قال إنه لجأ مع أسرته الى مصر وعاد وحيداً بعد أن تم القبض عليه وهو في طريقه الى العمل، وأبان أنه في مفاضلة بمواصلة الرحيل الى مسقط رأسه بالقضارف أو العودة لأسرته بمصر، خاصة أن تكاليف الترحيل تكاد تكون هي نفسها بعد الواقع الجديد، وأضاف أن الشباب في مصر يدفعون بصبر وجلد نتاج هذه الحرب التي لا يدري أحد متى ستتوقف  .

 

.

أسماء علي تم القبض عليها بعد إسبوع من وصولها للقاهرة وتركت خلفها طفلين ووالدهم وعمتهم، وأنها تفاجئت بالوضع المادي وانعدام السيولة، وقالت إنها لم تتذوق طعم الطعام منذ أن وصلت الى حلفا وليس لها الرغبة في ذلك الى أن تعود الى أسرتها أو تصل لجيرانها بالحتانة…

 

 

سيف الدين سليمان من شمبات قال إنه لم تراوده أي رغبة في الخروج من بحري، إلا أن ما شهدته المنطقة في الشهرين الآخيرين أجبراه على الخروج، وإعترف بأنه اختار المنطقة الخطأ، وقال بحسرة لكن المصيبة الكبرى إننا لا نستطيع الذهاب لشمبات في الوقت الحالي ليس لانعدام الخدمات وتبادل الضربات، لكن لأننا فقدنا كافة مقتنيات المنزل ..

 

 

  • خاتمة:

هذه مقتطفات سريعة من أفواه مرحلون قسرياً وسط صمت الجهات القانونية والحقوقية، وغياب السلطات المحلية والخيرين الذين كانوا في مثل هذه الحالات يوفرون الكساء والغذاء ومياه الشرب وصالونات الإستراحة ..

وإن تعمدت أطراف الحرب مفاقمة معاناة المواطنين بتشريدهم ثم الإتفاق مع دول الجوار لإعادتهم ليكونوا وقوداً للحرب، وكان لعزوف العدد الكبير من الشباب العزوف عن الحديث والتعبير عن معاناتهم بسبب المعاملة وعمليات الرصد، التي تطالهم فيما يسمى بالتفتيش وموضة رفع أسماء بعض الشباب بحجة التعاون مع هذا الطرف أو غيره، وبعيداً عن كل ذلك نناشد السلطات المحلية والمنظمات الدولية وقبلهم الضمير الشعبي بمصر، الضغط على الحكومة المصرية لمراعاة معاناة الأسر السودانية وإحترام النظم واللوائح الدولية التي إتاحت للعالم العربي إستضافة الفلسطينين لعشرات السنين والسوريين، وفشلت في إستضافة السودانين لعام واحد رغم ماوفره هذا العام من عائد مادي مهول.

 

المصدر الميدان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى