
إعداد – طارق عثمان
أصبح حلم اثيوبيا واقعا معاشا بعد اكتمال مشروع سد النهضة، وافتتاحه رسميا كأكبر سد مائي على نهر النيل الأزرق، في حين لا تزال الهواجس تمثل كابوسا لدولتي المصب السودان ومصر، فإثيوبيا ترى أن قيام السد لا يتجاوز حقها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال توليد الكهرباء لشعبها، بينما تتخوف مصر من انتقاص حصتها وتدفقات المياه التاريخية لها، فيما يتزايد قلق السودان من تهديد سكانه على ضفتي النيل وتضرر منشآته المائية.
ورغم أن سد النهضة يوفر فرصة لتحقيق منافع متبادلة مباشرة للدول الثلاث، الا انه اصبح مصدر توتر ومضاعفا لمخاطر عدم الاستقرار الإقليمي، وذلك بسبب تشابكه مع السياسات الجيوسياسية الإقليمية والدولية في حوض النيل وعلى النطاق الاوسع في القرن الافريقي والبحر الأحمر، فقد أدت الطموحات المرتبطة بالهيمنة المائية سواء كانت قديمة أو ناشئة إلى اهدار فرص التعاون التنموي وتفاقم القلق في منطقة تعاني أصلا من الهشاشة الأمنية.
ويرى الخبراء أن الحل المستدام يتطلب من الدول الثلاث تجاوز قضية الموارد المائية وحدها والسعي نحو تعاون إقليمي أوسع يشمل المياه والغذاء والطاقة والتكامل الاقتصادي، وفي حال الفشل في ذلك فقد تترتب عليه عواقب سياسية واقتصادية طويلة الأمد حد وصفهم.
تعزيز انتاج الكهرباء
وبعد اكتمال مراحل بناء السد وتدشينه رسميا من المتوقع أن يعزز انتاج الكهرباء في اثيوبيا بنحو 15 ألف جيجاواط ساعة إضافية سنوياً، كما ان إتمام بناء السد يعزز بشكل كبير موقف اثيوبيا التفاوضي، وقد انعكس ذلك في مناسبات متعددة مثل تقديم تفسيرات مختلفة لإعلان المبادئ الذي وقع في العام 2015 وتطور المواقف التفاوضية مع مرور الوقت، وإدراج مسألة تقاسم المياه رغم عدم كونها جزءا من اعلان المبادئ وطرح فكرة بيع مياه النيل اذا اقتضت الحاجة.
وبما أن السودان سيجني فوائد من سد النهضة الذي يقع على بعد 15 كلم من حدوده مع دولة اثيوبيا، اذ يتوقع ان يؤدي الى زيادة تترواح بين 10إلى 20 % في انتاج الكهرباء من سد الروصيرص وزيادة تصل الى 8% في انتاج محطة مروي، اما موثوقية امدادات الري مثل مشروع الجزيرة فستبقى الى حد كبير دون تغيير، بفضل التخزين الإضافي في الروصيرص بعد تعليته في العام 2012 على الأقل قبل تنفيذ مشروعي الرهد المرحلة الثانية وشرق الروصيرص، كما يتوقع أن يخفف سد النهضة من الفيضانات الكبيرة على النيل الأزرق والنيل الرئيسي التي تسبب أضرارا جسيمة في السودان، وسيتم احتجاز الجزء الأكبر من الرواسب في سد النهضة، مما يطيل عمر الخزانات السودانية، ويقلل من تكاليف تنظيف القنوات في مشروع الجزيرة رغم أن ذلك قد يؤدي الى انخفاض في خصوبة التربة.
فوائد مشروطة
ويرى خبيرا المياه والسدود بروفسور سيف الدين حمد وبروفسور ياسر عباس في ورقة بحثية تلقيت نسخة أن تلك الفوائد تظل مشروطة بالتعاون وتبادل البيانات بين سدي النهضة والروصيرص السوداني، وذلك ما يسمح لمشغلي السدود السودانية بالتخطيط للمواسم القادمة، أما في حال غياب التعاون وتبادل البيانات فيري حمد وعباس أن تلك الفوائد ستتحول إلى خسائر بل يصبح سد النهضة تهديدا حقيقيا للسودان نظرا لصغر حجم خزان الروصيرص وقربه من سد النهضة، وفي مثل هذا السيناريو سيضطر مشغلو سد الروصيرص إلى تبني استراتيجيات تشغيل أكثر تحفظا لتفادي مخاطر الفيضانات أو نقص المياه الناجمة عن سد النهضة.
ووفقا لسيف الدين حمد وياسر عباس اللذان شغلا منصب وزير الري في السودان في أوقات سابقة فإن هناك ترتيبات مؤقتة تم وضعها في العام 2022من خلال اللجنة الفنية الاستشارية الاثيوبية السودانية، بجانب توقيع مذكرة تفاهم لتبادل البيانات والمعلومات اليومية بين سدي النهضة والروصيرص، غير انه ورغم أهمية الخطوة في بناء الثقة لا تزال بحاجة الى أن تؤطر ضمن اتفاق قانوني رسمي بين البلدين.
هواجس سودانية
تم بناء سد النهضة دون إجراء دراسة شاملة لتأثيراته الاجتماعية والبيئية، والتي تؤثر بشكل رئيسي على السودان، وسبق أن قدمت اثيوبيا في مرحلة مبكرة الدراسة الأولية لتقييم الأثر البيئي العابر للحدود لسد النهضة الى اللجنة الدولية للخبراء وكانت الدراسة تعتمد على بيانات ثانوية، وأشارت الى أن التأثير المتوقع سيكون محدودا جدا، بينما فشلت الدول الثلاث في التوصل الى اتفاق حول تقرير البداية لدراسة الأثر البيئي التي أجرتها شركتا (ارتيليا وبرلي) فقد اقرت جميعها بأهمية هذه الدراسة، وجرى التأكيد المتكرر على ضرورة استكمالها في جميع مراحل التفاوض ومسودات الاتفاق.
ويتعلق القلق الرئيسي للسودان بسلامة سد النهضة وسد الروصيرص وبالتالي سلامة السكان القاطنين على ضفتي النيل الأزرق والنيل الرئيسي، إذ يعد سد الروصيرص وبسبب جسمه الترابي الذي يبلغ طوله 23.5 كيلومترا معرضا بشدة لأي مخاطر ناجمة عن أي تشغيل غير آمن لسد النهضة، وقد يؤدي انهيار سد الروصيرص إلى اضرار كارثية بالأرواح والممتلكات والزراعة في وسط السودان، بما في ذلك المدن الرئيسية الواقعة على ضفتي النهرين (الدمازين، سنجة ، سنار، ود مدني، الخرطوم)، وربما مناطق ابعد شمالا، كما أن قرب المسافة بين سد الروصيرص وسد النهضة نحو 110 كلم فقط يفاقم هذا الخطر ، بالإضافة الى الفارق الكبير في حجم التخزين حيث يخزن الروصيرص ما يعادل 10% فقط من سد النهضة الى جانب غياب التنسيق او حتى تبادل البيانات .
التشغيل الآمن
شهدت المفاوضات الثلاثية حول سد النهضة تقلبات كبيرة على مدى الخمسة عشر عاما الماضية، شكل اعلان المبادي لعام 2015 نقطة تحول مهمة حيث أثار امالا في السلام والتعاون الإقليمي ومع ذلك لم تكن المفاوضات التالية حاسمة مما زاد من عدم الثقة وتصاعد التوترات الإقليمية، ركزت اثيوبيا على تأكيد حقها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال توليد الكهرباء لشعبها، بينما تعطي مصر الأولوية لحماية تدفقات المياه التاريخية لها، وفي الوقت نفسه يهتم السودان بحماية حياة سكانه القاطنين في حوض النهر، والفوائد المتوقعة في الزراعة المروية وتوليد الطاقة الكهرومائية الناتجة عن التدفقات المنتظمة، وبدون وجود تعاون وتبادل قانوني ومؤسسي موثوق للبيانات بين سد النهضة وسد الروصيرص فإن التشغيل الآمن للأخير معرض لخطر شديد.
ويؤكد خبيرا المياه سيف الدين حمد وياسر عباس أن خلق منافع وفوائد متبادلة بين الدول الثلاث تمتد إلى ما هو أبعد من موارد مياه النيل، وهو المسار الأكثر قابلية للتحول من دائرة مفرغة من سوء إدارة المياه والتوترات المصاحبة إلى دورة فاعلة من السلام والفوائد المشتركة، ومع ذلك يتطلب هذا النهج وقتا وصبرا ومثابرة لتجنب الانتكاسات، أما المسار البديل الذي يتسم بتزايد عدم الثقة والتوتر فلن يؤدي فقط الى فقدان الفوائد المحتملة للتعاون فحسب بل سيزيد أيضا من تكاليف الدفاع عن الإجراءات الأحادية في حوض نهر مشترك.
يمكن تحقيق مفاوضات بناءة للوصول الى اتفاق ودي عبر مراحل متعددة تتمثل بناء الثقة باعتبارها الخطوة الحرجة، وتبادل البيانات بين الدول المتشاطئة كقضية رئيسية أخرى لآمان المنشآت الهيدروليكية، لا سيما وان تلبية المصالح والاحتياجات الشاملة للدول الثلاث شرط أساسي لوضع أساس التعاون المستقبلي، كما يمكن أن يزيد من انشاء منافع إيجابية عبر الاستثمارات المشتركة في المياه والطاقة والأمن الغذائي من فوائد التعاون، بينما تمثل المبادرات مثل تجارة الغذاء والطاقة، بجانب البنية التحتية اللازمة (مثل الصناعة والنقل) فرصا مريحة لجميع الأطراف.
* يقع سد النهضة على النيل الأزرق، على بعد 15 كلم من الحدود بين السودان واثيوبيا.
* بدأ البناء في سد النهضة في العام 2011، بسعة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب.
* بدأت عملية الملء الأول في العام 2020 واكتمل في العام 2024.
* السد مبني باستخدام الخرسانة المضغوطة، بطول 1.8 كم وارتفاع 143 مترا، يعبر القناة الرئيسية للنهر، ويكمله سد جانبي بطول 5كم وارتفاع 50 مترا على الضفة اليسرى للنيل الأزرق.
* يمتد خزان سد النهضة لمسافة 246 كم الى أعلى.
يقع سد النهضة على بعد 110 كم من سد الروصيرص (سعت6ه 6 مليار متر مكعب )
* يحتوي سد النهضة على 31 توربينا كهرومائيا ومن المتوقع انتاج 15 ألف جيجاواط/ساعة في العام.
* بدأ التوليد الكهربائي الفعلي عام 2020 من خلال توربينين.
* متوقع ان يزيد سد النهضة من توفير الكهرباء في اثيوبيا بنسبة 130%.