
كتبت- أميرة الجعلي- ضغوط دولية.. البرهان بين خيارات المواجهة أو الانحناء للعاصفة.. شهد السودان خلال اليومين الماضيين أحداثا ساخنة سيكون لها الأثر الأكبر في تشكل المشهد السياسي والعسكري خلال الفترة القليلة المقبلة، فمع تقدم الجيش لتحرير بارا وبعض مدن كردفان ، وتحضيرا لزيارة رئيس الوزراء للسعودية لأهميتها الاقتصادية.
وأصدر مجلس الأمن قرارا يوم أمس بتجديد العقوبات على السودان المتعلقة بالصراع في إقليم دارفور الذي يشمل حظر الأسلحة وتدابير تستهدف حظر السفر وتجميد الأصول، حتى 12 سبتمبر 2026.
كما أصدر وزراء خارجية دول الرباعية (أمريكا، مصر، الأمارات والسعودية) بيانا طالبوا فيه بهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية يعقبها وقفا لإطلاق النار. وفي ذات السياق أصدرت الإدارة الأمريكية عقوبات ضد زعيم حركة العدل والمساواة ووزير المالية جبريل إبراهيم وكتيبة البراء تحت مزاعم إشعال الحرب والعلاقات وتطويل أمدها ، وشبهة العلاقات مع إيران.
يبدو واضحا ان كل هذه الإجراءات (العقوبات الأمريكية، وبيان الرباعية وتجديد عقوبات مجلس الأمن)، تأتي في إطار تصعيد الضغوط الدولية على قيادة الجيش ومحاولة فصله عن القاعدة الشعبية المساندة له بالداخل، وكذلك إعادة تصميم المشروع السياسي الذي يقضي بعودة القوى المدنية الى سدة الحكم مرة أخرى عبر تسوية سياسية تنهى الحرب وتعيد الدعم السريع الى المشهد السياسي والعسكري مرة أخرى، فهل ستمضي الحكومة السودانية نحو المواجهة ام الانحناء للعاصفة؟
في الوقت الذي رحب فيه تحالف (صمود) بقيادة عبد الله حمدوك ببيان الرباعية وأعتبره خطوة متقدمة تجاه وقف الحرب، لم تصدر الحكومة أي بيان رسمي يحدد موقفها تجاه هذا البيان، لكن من الواضح أن قيادة الجيش والمجموعات المتحالفة معه في المشتركة والقوى السياسية والمدنية التي تحارب لدحر المليشيا تعارض هذا الموقف الذي يحاول كما قال بعض المحللين إعادة أنتاج الاتفاق الإطاري الذي قاد الى إشعال الحرب الراهنة. كما يفتح الباب الى تفاوض بين الجيش والدعم السريع باعتبارهما طرفي صراع يتساويان في المسؤولية والمحاسبة.
ولعل أوضح المواقف ما عبر عنه مستشار رئيس الوزراء محمد محمد خير الذي استبعد تماما حدوث أي تفاوض بين الطرفين ليس بسبب موقف الجيش بل الموقف الشعبي الرافض لأي مشروع تعايش مع المليشيا. وجاء بيان الرباعية الذي أكد بوضوح تساوي الطرفين (الجيش والدعم السريع) وضرورة ابعادهما في سياق المسار السياسي متسقا مع موقف دولة الإمارات التي ظلت تسعي لعودة القوى المدنية المتحالفة معها وشرعنة الدعم السريع وإقصاء الجيش والقضاء على القاعدة السياسية المدنية الداعمة للجيش باعتبارها حواضن إسلامية تسعى لعودة الإسلاميين لسدة الحكم من جديد.
وخلا بيان الرباعية من عبارة (دعم المؤسسات الوطنية ) التي ظلت مصر تحرص عليها حفاظا على مؤسسة الجيش التي ترى فيها امتدادا طبيعيا لأمنها القومي، مما عده البعض تنازلا من الموقف المصري المعروف لصالح الموقف الإماراتي الذي يسعى لإقصاء الجيش وتسليم البلاد لتحالف الدعم السريع والمدنيين المتحالفين معها.
ويتفق المحللون أن بيان الرباعية يعتبر تسويقا للموقف الإماراتي وانتصارا دبلوماسيا لها مقابل الموقف السعودي الغامض الذي يقوم على التوازنات، والموقف المصري المتراجع في إطار موازنات مصر لوضعها الاقتصادي الداخلي، ومواجهة مشروع نتنياهو لإفراغ غزة وفتح تدفقات الفلسطينيين الى داخل الحدود المصرية.
ويكشف بيان الرباعية أن السودان يفتقد التحالفات الدبلوماسية الفاعلة في ظل تمدد الدور الإماراتي والدعم الأمريكي و التوازن السعودي والتراجع المصري، وتكشف التطورات أن الإمارات تغلغلت الى داخل أجهزة الاتحاد الأفريقي باستخدام المال السياسي، ومحاولاتها المستمرة لكسب قادة الاتحاد الأفريقي لموقفها السياسي، فقد نجحت في توظيف الإيقاد عبر سكرتيرها التنفيذي الأثيوبي ورقني قبيهو الى موقفها منذ اجتماعات جيبوتي، كما كسبت أيضا مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، لكن ظل مفوض الاتحاد الأفريقي محمود يوسف وزير خارجية جيبوتي السابق حجر عثرة أمام تمرير تلك المخططات لموقفه الثابت من سيادة السودانية وصون مؤسساته الوطنية.
لكن لم تتوقف محاولات الإمارات لكسبه الى موقفها من خلال اجتماعات المشاورات السياسية والشراكة الصحية والتنموية بين القارة الأفريقية والإمارات مع مفوضية الاتحاد الأفريقي، والتي تم خلالها مناقشة موضوع السودان على هامش هذه الاجتماعات بل وتم ترتيب اجتماع بين المفوض الأفريقي وعبد الله حمدوك رئيس (صمود)، مما يشير الى المحاولات الإماراتية المستمرة لكسب موقف مفوض الاتحاد الأفريقي. خاصة وأن شهر أكتوبر القادم سيشهد اجتماعا للقوى المدنية السياسية في محاولة للتوصل الى خارطة طريق لحل الأزمة الراهنة.
ولا شك أن هذا التصعيد الدولي وتقدم الجيش عسكريا يشير الى أن معركة كسر العظم بين المشروع الإماراتي وصمود القوات المسلحة وصل مرحلة فاصلة بين أن يستعيد السودان وحدة أراضيه واستقراره وسلامه عبر مشروع وطني أو الاتجاه نحو النموذج الليبي أو اليمني الذي قسم هذين البلدين الى دولتين وعاصمتين وهو النموذج الإماراتي المفضل في المنطقة وما حكومة تأسيس في نيالا إلا رأس جبل الجليد في هذا المشروع.
وفى هذا السياق من المتوقع ان ينعقد اجتماع آخر على مستوى وزراء خارجية الرباعية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وعليه ان مشاركة رئيس الوزراء كامل ادريس الذي يترأس وفد السودان يعول عليه اجهاض أي محاولات أخرى يمكن ان يتخذها الاجتماع الوزاري، ومهمه كامل في نيويورك الذي سيلتقي على هامش الجمعية العامة بممثلي الإدارة الأمريكية وعدد من ممثلي الدول الأخرى الفاعلة اقناع الأطراف الدولية بخارطة الطريق السودانية المودعة لدى مجلس الأمن او التماهي مع الأطروحات الدولية التي تقودها الإمارات من خلف الستار. لكن في كل الأحول فإن القاعدة الشعبية التي تشكلت في الداخل ستكون هي الكتلة الوطنية الحرجة التي يصعب تجاوزها في أي قرار مصيري مرتبط بقضية الحرب والسلام في السودان بسبب تضحياتها وما تحملته من أعباء وما تكبدته من أضرار وقدرة فائقة على مساندة ودعم القوات المسلحة.