الرئيسيةقضايا ومجتمع

رحلة العذاب.. تفاصيل يرويها شاب سوداني من ليبيا إلى اليونان

متابعات- منتدى السودان- من السودان إلى ليبيا ثم البحر رحلة مؤيد كانت مليئة بالمخاطر والتحديات التي لا تُعد ولا تُحصى. اختبر الجوع، العنف، وحياة الهروب المستمر. ولكن، هل كانت نهايته في البحر هي النهاية الوحيدة التي كانت تنتظره؟

 

 

 

تُنظم رحلات تهريب يومية عبر مسارات متعددة إلى ليبيا، حيث يقود المهربون آلاف السودانيين في طرق محفوفة بالمخاطر. ورغم الصعوبات الكبيرة والتكاليف المرتفعة لهذه الرحلات، فإنها تزداد بشكل مستمر منذ أشهر نتيجة لتدهور الأوضاع في السودان.

 

 

 

مؤيد، اسم مستعار، شاب من ولاية النيل الأبيض ريفي الدويم في السودان، كانت حياته تسير بشكل طبيعي حتى بدأ الوضع في بلاده يتدهور بسبب التوترات السياسية والأزمات الاقتصادية والصحية. كانت عائلته بحاجة ماسة إلى المال، فبحث عن عمل لكنه فشل بسبب صغر سنه وقلة خبرته.

 

 

 

ومع تفاقم الأوضاع، قرر مؤيد البحث عن فرص خارج منطقته، فسمع عن مصر كمكان يوفر فرص عمل أفضل. لم يكن أمامه الكثير من الخيارات، فاختار الهجرة إليها بحثًا عن حياة أفضل.

 

 

 

قال مؤيد لمهاجر نيوز: “أنا وصلت إلى مصر، حيث واجهت حياة صعبة، ساعات عمل طويلة وأجور منخفضة، بالإضافة إلى البعد عن أهلي. بعد فترة من المعاناة، قررت العودة إلى السودان، ولكن ما لم يكن في الحسبان هو اندلاع الحرب التي دمرت حياة المدنيين. وفي تلك الأثناء، بدأ العديد من اللاجئين السودانيين في مصر يواجهون حملات ترحيل، فاقترح عليّ أحد أصدقائي الهجرة إلى ليبيا. وبعد تفكير طويل، قررت أن أقبل الفكرة.”

 

 

 

 

وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تُعدّ مدينة الكفرة نقطة عبور رئيسية للاجئين السودانيين إلى ليبيا، حيث تستقبل حوالي 350 شخصًا يوميًا. وقد تسببت السيول الأخيرة في تدمير البنية التحتية، مما دفع بعض اللاجئين إلى اللجوء إلى المدارس كملاجئ مؤقتة.

 

 

 

 

وأوضح إسماعيل العيضة، رئيس غرفة الطوارئ بوزارة الصحة بالحكومة الليبية، لمهاجر نيوز، أن أعداد النازحين السودانيين في مدينة الكفرة قد تجاوزت 65 ألف شخص في الأشهر الستة الماضية، مع تزايد مستمر، خصوصًا مع تصاعد القتال في السودان، سواء في الولايات الشمالية أو دارفور. وأشار العيضة إلى أن معظم النازحين هم من الأطفال والنساء والشيوخ، بينما يزداد عدد الشباب العاملين في المدينة بشكل ملحوظ.

 

 

 

 

تستضيف ليبيا أكثر من 60,000 لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. كما تشهد البلاد حالة نزوح داخلي معقدة، حيث يوجد حوالي 125,802 نازحاً داخليًا. بالإضافة إلى ذلك، نزح نحو 44,000 شخص منذ سبتمبر/أيلول 2023 بعد أن ضربت العاصفة دانيال شرق ليبيا.

 

 

 

 

أزمات وتحديات

في رحلته إلى ليبيا، واجه مؤيد العديد من الصعوبات، حيث تم تهريبه في سيارات صغيرة وتعرض للعنف من المهربين. عند وصوله إلى الحدود، تم احتجازه في مكان يُسمى “الزنزانة”، ثم نُقل إلى سجون “لا إنسانية” في ليبيا حيث عانى من الضرب والجوع واضطر لدفع المزيد من الأموال للخروج، حسبما يؤكد مؤيد.

 

 

 

 

وأوضح إبراهيم الحسين، مدير عام جهاز الإسعاف والطوارئ في الكفرة، لمهاجر نيوز أن الطريق بين الكفرة والعوينات على الحدود السودانية شهد إسعاف أكثر من 280 حالة خلال عام 2024، أغلبهم من النازحين السودانيين. كانت معظم الحالات نتيجة لانقلاب السيارات في الصحراء بسبب السرعة الزائدة أو الكثبان الرملية. وأضاف الحسين أنهم تمكنوا من إنقاذ عائلات ضاعت في الصحراء، واستمروا في تقديم الخدمات الطبية العاجلة داخل مدينة الكفرة، من المزارع والبيوت إلى المستشفيات.

 

 

 

قال مؤيد: “عندما وصلنا إلى ليبيا، اكتشفنا أن الوضع كان أصعب بكثير من مصر. كانت المناطق التي وصلنا إليها مليئة بتجارة البشر والتهريب والممنوعات. بدأنا البحث عن طريق آخر للهروب من هذه المعاناة، حتى وجدنا شخصًا يعرف رجالًا يهربون الناس عبر البحر. رغم الخوف والتردد، قررنا المضي قدمًا في الرحلة بعدما أصبح الموت يطاردنا في كل مكان. دفعنا 15 ألف دينار ليبي لكل شخص”.

 

في خطوة إنسانية عاجلة، أعلنت الأمم المتحدة تخصيص 5.3 مليون دولار من صندوقها المركزي لمواجهة الطوارئ، لدعم 195 ألف لاجئ يعيشون في ظروف صعبة في ليبيا، بالإضافة إلى تقديم المساعدات اللازمة للمجتمعات المضيفة لهم.

 

قال مؤيد: “بعد أن تم احتجازنا في مكان بعيد عن الأنظار لأيام طويلة، حيث كنا ننتظر موعد الرحيل، كانت حياتنا مليئة بالمعاناة. كنا نتلقى فقط خبزتين في اليوم مع قطعتي جبن مثلث، لا شيء أكثر”.

 

بين الأمواج والصحراء

قالت عسير المضاعين، رئيسة بعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا: “النساء والأطفال هم من يدفعون الثمن الأغلى في هذه الأزمة. وبينما نواصل مشاهدة قدوم اللاجئين الفارّين من ظروف لا يمكن تصورها، نناشد المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب اللاجئين السودانيين الذين تستضيفهم دول المنطقة بسخاء، ولدعم الاستجابة لاحتياجاتهم”.

 

وأكد إسماعيل العيضة أن الأوضاع أصبحت أكثر صعوبة، مما دفع هؤلاء النازحين، خصوصًا الشباب، إلى السعي لتحسين ظروفهم وتأمين مستقبلهم، خاصة مع اقتراب الحرب من عامها الثاني. تزداد الأوضاع سوءًا في ظل تدهور الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمأوى والغذاء، نتيجة للزيادة المستمرة في أعداد النازحين يومًا بعد يوم.

 

سوء الأوضاع في ليبيا دفع مؤيد إلى مواصلة رحلته للوصول إلى هدفه أوروبا، حسبما أكد في تصريح له لمهاجر نيوز وأضاف قائلاً: “ثم جاء اليوم المنتظر. دخل رجال مخمورون يحملون أسلحة، وأخرجونا من المكان ونحن في ملابسنا الخفيفة، وضربونا بعنف ليتم توجيهنا نحو البحر. ركبنا قاربًا صغيرًا يقوده شخص مجهول، وانطلقنا في رحلة مجهولة في الساعة الخامسة فجرًا، وكان معنا أكثر من عشرين سودانيًا”.

 

وأضاف العيضة أنه تم افتتاح مركز إيواء في ليبيا يضم 40 سريرًا، بالإضافة إلى تخصيص مركز آخر لاستقبال النازحين. كما تم إصدار أكثر من 140 ألف شهادة صحية للأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 18 عامًا.

 

ومع ذلك، أشار العيضة إلى أن المنظمات العاملة في الكفرة لم تقدم سوى أقل من 10% من الدعم المطلوب. وأوضح أن معظم هذه التعهدات لم تُنفَّذ، في حين أن ما تم تقديمه كان غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الملحة.

 

أشار العيضة إلى أن “الطقس في الصحراء قاسٍ في الشتاء، بينما تزداد لدغات العقارب في الصيف”. ورغم هذه الظروف الصعبة، أكد أن وزارة الصحة، بدعم من الجيش الليبي “ستواصل تقديم المساعدة للنازحين، على الرغم من تزايد أعدادهم وصعوبة الوضع.”

 

قال مؤيد: “في البداية، كانت الأمواج هادئة، لكن سرعان ما بدأت تعلو وتكبر. كنا نمضي قدمًا، لكن الأمواج كانت تعيدنا إلى الوراء. بدأ الخوف يتسلل إلى قلوبنا، فاقترح البعض العودة، بينما أصر آخرون على المضي قدمًا. لكن لم يكن لدينا خيار آخر. استمررنا في مواجهة الأمواج طوال اليوم حتى بدأت تهدأ قليلاً. وبعد مسافة طويلة، بدأ القارب يتسرب منه الماء. اتصلنا بالإنقاذ، وكان ردهم أنهم يمكنهم إرجاعنا إلى ليبيا، لكننا قررنا المضي قدمًا في المحاولة.”

 

بحسب العيضة، فإن تبذل ليبيا جهودا أجل دعم اللاجئين السودانيين ومعاملتهم مثل المواطنين الليبيين. إ ذ تسعى لتوفير خدمات صحية للاجئين تشمل الفحوصات الطبية وإصدار البطاقات الصحية، في ظل افتقار العديد من اللاجئين للأوراق الثبوتية. لكن ذلك لم يمنع مؤيد من متابعة رحلة اللجوء “استمررنا في السير يومًا بعد يوم، دون أن نعرف إذا كنا سنصل. وفي اليوم الثالث، أنقذتنا باخرة نقلتنا إلى جزيرة كريت، حيث تم فحصنا وعنايتنا. بعد ثلاثة أيام، نُقلنا إلى أثينا، حيث تم توزيعنا على مراكز سكنية وبدأت إجراءات الإقامة. والحمد لله على ما منَّ به علينا.” يقول مؤيد.

نقلا عن مهاجر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى