الرئيسيةمقالات

خارج النص- يوسف عبد المنان- الخرطوم بالليل

بينما كنا جلوسًا في مكتب الأمين العام لحكومة ولاية الخرطوم، الإداري الهادي عبد السيد، دخل علينا الوزير الشاب الطيب سعد الدين، الذي يمثّل تعيينه في منصب وزير الثقافة والإعلام والناطق باسم أكبر حكومة ولائية تقديرًا كبيرًا من السيد والي الخرطوم لدور الإعلام. الطيب صحافي محترف ورجل مجتمع بلا خصومات في وسط لا يعرف غير الشقاق والحسد.

 

أبلغ الوزيرُ أمينَ عام حكومة الخرطوم بأن التيار الكهربائي قد عاد الآن في شارع الجامعة ومجلس الوزراء القديم، وأن كل الشارع قد استعاد الإضاءة، فيما لا يزال جنود شركة الكهرباء يتفانون في إعادة النور للعاصمة الخرطوم، ونقصد هنا الخرطوم مقرن النيلين وتوتي والقيادة العامة ومطار الخرطوم. بدا الهادي عبد السيد أكثر سعادةً من الوزير نفسه.

 

ومن أسرار نجاح الوالي أحمد عثمان حمزة أنه يعرف كيف يختار معاونيه من الرجال، دون النساء، حيث لا تزال حكومته “ذكورية” لا تعترف بجهد النساء اللواتي رابطْن في سنوات الحرب والقصف مع الرجال، وصبرن على الخرطوم وهي تحتضر. فهل سيكون للمرأة وجود في الخرطوم وهي تزدهر الآن؟

 

خبر عودة التيار الكهربائي للخرطوم يمثّل قيمة وتطورًا، بعد أن نجح حميدتي في مشروعه بإطفاء شموع الخرطوم، وجعل عمارة الفيحاء، وبرج الساحل، وفندق الميريديان، وعمارة الذهب، مأوى للقطط والكلاب، ونهب كل شيء، وتركها في العراء. واليوم، تشهد الخرطوم عودة تدريجية؛ بنك الخرطوم فتح فرعًا بمنطقة الشجرة، وشركة الخندقاوي عادت كأول شركة، أضاءت شارعها ورفعت لافتة كبيرة: “عدنا لتعميرها”. وليت الخندقاوي، وهو رأسمالي بعيد عن الأضواء، يتكفّل بصيانة وفرش مسجد فاروق أو مسجد أرباب العقائد، وهو أقرب المساجد لمقرات شركاته.

 

أول أمس، توقفت في طريقي إلى أركويت لزيارة أول سياسي يحط في الخرطوم، السلطان بشارة سليمان، عند شارع المطار قبالة صالة الحج والعمرة. كانت الشمس في كبد السماء، والعمال والمهندسون، بهمة عمّار الأرض، يعيدون تلك الصالات إلى ما كانت عليه قبل أن يُحدثنا الإعلام عن وصول معدات صيانة وتأهيل مطار الخرطوم. وربما يتفاجأ الناس يومًا بطائرة تاركو تهبط في المطار وتقلع إلى نيالا البحير غرب الجبيل.

 

أما الأخبار القادمة من القوات المشتركة، التي أعدّت نفسها لمعركة أخيرة مع الجنجويد، فتقول إن تحرير نيالا أقرب من تحرير كازقيل، التي تبعد عن الأبيض 45 كيلومترًا. لكن جامعة مأمون حميدة لم تطلها بعد يد الرجل العميقة، ولم تحدث ابنته سوزان نفسها بما قام به مدير جامعة النيلين، وهي أكبر جامعة في السودان، من إعادة الحياة لقلب الخرطوم وإضفاء بعد جمالي بحيوية الطلاب وجمال الطالبات.

 

أمس، دخلت الخرطوم مرحلة جديدة. ولو كنت واليًا لها، لخصصت لكل بائعة شاي صمدت أمام قلة الزبائن في الفترة الماضية، وساهمت في عودة الخرطوم تدريجيًا، جوال سكر (10 كيلو) مجانًا. عددهن لن يتجاوز المائة امرأة عصامية تعمّر عاصمة هجرها أهلها.
مجالس الشاي الآن في الخرطوم مكان يلتقي فيه الأحباب والأصدقاء، يجترّون الماضي ويعانقون الحاضر وينتظرون المستقبل الذي “لسه سنينه بعاد”، لكنه يطل من وراء رماد المعركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى