الرئيسيةمقالات

عثمان ميرغني يكتب.. الرجاء عدم ذكر سنوات الخبرة؟

كتب عثمان ميرغني تحت عنوان الرجاء عدم ذكر سنوات الخبرة.. قائلا: كنت في مكتبي بصحيفة “التيار” عندما استقبلت رجلا مهندما يبدو عليه الوقار الرزين.. يلبس بدلة كاملة بربطة عنق تؤكد احترامه لأعين الآخرين.. و يحمل في يده حقيبة أنيقة يبدو أن بها مستندات .. ليس لي به سابق معرفة.. بذلت وسعي في رفع درجة حرارة الترحيب.. لإذابة جليد اللقاء الأول.
بدأ يتحدث بهدوء وثقة معرفا بنفسه .. بينما فتح الحقيبة واستخرج منها بعض الأوراق.. قال لي أنه “كاتب عمود” في صحيفة زميلة معروفة.. ذكر لي اسمها.. ويرغب في الانتقال إلى صحيفتنا “التيار”.. ويحمل معه نماذج من كتاباته على مدى سنوات طويلة.. قاطعت حديثه وسألته ان كان يفضل أن أقدم إليه الشاي أم القهوة.. أنا أحتفظ في مكتبي بماكينة حديثة و أسعد دائما أن اقدم لضيوفي من صنع يدي.
وضعت أمامه كوب الشاي.. و أحسست أنني بذلك استكملت النصاب اللازم للترحيب.. بما يتيح لي أن أكون أكثر صراحة في الحديث معه.. فقلت له:
(بكل هذا العمر المديد في الصحافة السودانية وفي صحيفة زميلة مشهورة.. ومع ذلك تحمل معك نماذج للتدليل على مستوى أعمالك الصحفية.. ألا يعني أن كل ماكتبه لم يكن كافيا لأسمع بك.. وأنا زميلك وفي صحيفة زميلة.. فكيف بالقراء..).
وواصلت تفسير موقفي :
(سنوات الخبرة هنا هي ضدك.. لأنها دليل على غياب الإنجاز الحقيقي.. طالما لم تكن كافية لتحمل صاحبها عبر أثير الإنجاز إلى مسامع الآخرين..)
بعبارة أخرى..
(الأثر يدل على المسير.. انعدام التأثير دليل غياب المؤثر..)..
في اليومين الماضيين ثارت ضجة في الوسائط حول تعيين دبلوماسي متوسط الخبرة في منصب الأمين العام لمجلس الوزراء.. دالة العُمر والخبرة هنا كانت مرتكز الانتقاد لقرار التعيين.
هنا يجدر استدعاء أسئلة موضوعية.. بناء على المتغيرات الكونية.. خاصة بعد التقدم الهائل في استخدام التكنولوجيا.. والذكاء الصناعي.. وتبدل المفاهيم والعلوم والمعارف.. هل تقاس الخبرة والكفاءة بسنوات العمر؟ أو عدد سنوات الخبرة؟
لابد من مواكبة العصر.. الخدمة المدنية في السودان ظلت معطوبة منذ بواكير الاستقلال.. تعرضت لعواصف التسييس مع كل تغيير في النظام.. حتى زلزلت زلزالها في عهد الإنقاذ بتمكين وتسييس واسع وهدم مرتكزاتها المهنية تماما..
و لا يمكن تصور دولة متقدمة تطمح لنهضة كبيرة دون خدمة مدنية حديثة مؤثرة .. قاطرة تقود البلاد في الاتجاه الصحيح.. مهتدية ببوصلة غايات عليا وخطة استراتيجية صارمة.
من الحكمة أن ننظر تلقاء صناعة دولة حديثة.. تستفيد من ماضي تجاربها لكن دون الالتزام بها.. وبالتحديد في تجديد مقاييس ومعايير وظائف الخدمة المدنية و من يتولونها..
الخبرة ليست بسنوات العمر ولا بمدة العمل.. بل بالإنجاز والقدرة على تحقيق “تأثير” .. وليس مجرد شغل المنصب و التمتع بالسلطة والثروة..
نحتاج لهندسة خدمة مدنية بمعايير عصرية تناسب مطلوبات النهضة في بلادنا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى