
أكبر ما يمكن أن يستفيده السودان من أحداث الشرق الأوسط الأخيرة هو أن علاقات الدول تتجاوز الأحداث العابرة، مهما كان عمق تأثيرها. فالدول ومصالح شعوبها تبقى، بينما يطوي الزمن العوارض.
يجدر بالحكومة السودانية أن تبادر بحوار رسمي جاد مع دولة الإمارات، لا لنبش الماضي وأحزانه، بل للنظر إلى المستقبل بعين الأمل. لم يكن منطقيًا أن تنحدر العلاقات الثنائية بين البلدين إلى ما وصلت إليه، فالمصالح التي تجمع الشعبين أكبر بكثير من العقبات التي تعترض طريقها. والمسافة المطلوب قطعها أسهل وأقصر مما يتصور الكثيرون.
يجب أن يبدأ الحوار مع الإمارات باستعادة الوضع الدبلوماسي الطبيعي دون أي شرط أو قيد، فالقنوات الدبلوماسية الطبيعية تسهم في تعزيز الثقة المتبادلة، وتُيسر إزالة الغشاوة التي عكّرت العلاقات خلال العامين الماضيين.
ومن الحكمة ألا ينتظر السودان وساطات خارجية، فالاستعداد الطبيعي بين البلدين لفتح الجسور هو أقوى وساطة، والمصالح المشتركة المرتقبة هي أعظم دافع ومحفز.
هناك بعض الأصوات التي تفتقر إلى البصيرة وتجتهد في عرقلة استعادة العلاقات بين البلدين. هذه الأصوات، التي يعوزها المنطق والموضوعية، تسرق لسان القوات المسلحة زاعمة أن الجيش لا يقبل بهذا الطرح، وهذا محض وهم مختلق.
العلاقات مع الإمارات ليست شأنًا عسكريًا، ولا ينبغي أن تُختزل فيه. فهي تأتي في سياق ينسجم مع تاريخ طويل مشترك ومصالح قائمة، تتمثل في مئات الآلاف من السودانيين المقيمين في الإمارات، يعيشون معززين مكرمين، لم تؤثر فيهم المطبات التي تسبب فيها قرار مجلس السلم والأمن السوداني، وأضعافهم من التجار والزوار والعابرين عبر الإمارات.
من الحكمة أن تصدر الحكومة الجديدة ما يؤكد أنها تنتهج سياسة خارجية تتجاوز رعونة الهتافات والشعارات السودان، دولة بلغت من العمر سبعين عامًا، ينبغي أن تكون عضوًا فاعلاً ومتفاعلاً مع محيطها الإقليمي والدولي.