الرئيسيةقضايا ومجتمع

الناطق الرسمي لـ(الكتلة الديمقراطية) د. محمد زكريا في حوار: (….) هذا ما قاله وطلبه الفريق أول كباشي قبل الحرب بثلاثة أيام

حوار- محمد جمال قندول- أجرت صحفية الكرامة حوارًا مع الناطق الرسمي باسم (الكتلة الديمقراطية) د. محمد زكريا أمين الإعلام بحركة العدل والمساواة، فماذا قال في إفاداته:

 

أول يوم الحرب أين كنت؟

في منزلي بالخرطوم بحري، وكنا نتأهبُ للخروج متوجهين إلى مسكن د. جبريل إبراهيم، وذلك في إطار جهود للتوسط لنزع فتيل الأزمة وقتها بين الجيش والميليشيا، كانت تقوم بها قيادات الكفاح المسلح، وبالتالي قبل الخروج اندلعت الحرب وأصبح التحرك صعبًا، وقبلها بثلاثةِ أيامٍ تناولنا إفطار رمضان في منزل الفريق أول ركن شمس الدين كباشي شخصي مع د. عشر وبابكر عبد الرحمن القيادي بالحزب الاتحادي الأصل ونور الدائم طه من حركة تحرير السودان، وانضم لاحقًا بعد الإفطار مبارك أردول، وكان حديث الفريق كباشي واضحًا بأنّ التقارير جميعها تفيدُ بتحركاتٍ للميليشيا وقتها، وعلينا نحن كقوى سياسية أن نتحرك لإدراك ما يمكن إدراكه، وذكر نصًا(تحركوا من هذه اللحظة). ومنذ وقتها ونحن كنا في عملٍ دؤوبٍ وحَراكٍ نشطٍ جدًا، وفي صبيحة السبت انفجرت الأوضاع لم يكن مدهشًا بالنسبة لنا.

 

يعني خيار الحرب كان متوقعًا؟

نعم، من واقع التوتر، وهنالك أيضًا شواهد أخرى بالإضافة إلى التوتر الماثل عسكريًا آنذاك مثل: مغادرة بعض قيادات القوى السياسية للخرطوم، وتحديدًا صبيحة يوم الجمعة.

 

أنت تقصد قيادات “قحت”؟

تحديدًا لا أُريد ذكر أسماءٍ، ولكن هنالك قيادي من مجموعة المركزي ذهب بسيارتي وسائقي الخاص للمطار، وحاول إقناعي أن أرافقه لأنّ الحرب قاب قوسين أو أدنى.

 

على مدار ثلاثة أيامٍ تحركتم لنزع فتيل الأزمة كما ذكرت، أذكر لنا بعضًا من تفاصيل تلك الأيام التي سبقت الحرب، هل التقيتم المتمرد “حميدتي”؟

نعم.. انعقدت عدة لقاءاتٍ مع “حميدتي” وقتها، شارك فيها من جانب قوى الكفاح المسلح د. جبريل، والحاكم مناوي، والسيد نائب رئيس مجلس السيادة عقار وعدد من قيادات الصف الأول من (الكتلة الديمقراطية).
القوات المسلحة في اللقاءات التي انعقدت كانت واضحةً في موقفها تجاه ما يسمى بعملية الإصلاح الأمني والمؤسسي والآجال التي يجب الالتزام بها لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة، بينما قيادات التمرد وقتها كانت تمارس نوعًا من التهرب والمراوغة، وكذلك كان هنالك تبادل أدوار بين “حميدتي” وشقيقه كل طرف يرسلنا للآخر، وكنا نجتهد الالتقاء بالطرف الأول يعني باختصار (كان بضيعوا زمن) حتى اتفقنا أخيرًا على لقاءٍ مشترك يوم السبت يجمع بين البرهان و”حميدتي” ولكن سبق ذلك تمرد الميليشيا.

 

كيف مر اليوم الأول للحرب عليك؟

أنا أسكن “حلة حمد” بجوار الديار القطرية، والساعات الأولى قذيفة عشوائية أصابت العقار المجاور، وأدى إلى اشتعال العمارة، فاضطررت أن آخذ أُسرتي وأُغادر إلى منطقة الكدرو.

 

الرحلة ما بين حلة حمد والكدرو؟

شعرتُ بالبؤس والإحباط، وأننا كنُخبٍ سياسية جزءًا مما آلت إليه الأوضاع بالبلاد ونتحمل المسؤولية الأخلاقية، وفي المسار من حلة حمد ومرورًا بالمحطة الوسطى وشارع المعونة، كنا نسير وسط الجثث.

 

في تلك اللحظات وأنت تنظر إلى أطفالك، ماذا جال في خاطرك؟

الخوف وقتها لم يكن على الأسرة الصغيرة والوالدة، وإنما على الوطن ككل، وأنا أنتمي لحركة مسلحة ضاقت مآسي الحرب، وبالتالي أعلم أنّ الحرب ستكون لها آثارها المخيفة على الإنسان والحيوان، وكانت قراءتي من ذلك الوقت أنّ الحرب قد تبدأ ولكن النهايات غير معلومة.

 

كم مكثت في الكدرو؟

أكثر من شهرٍ.

 

ثم أين كانت الوجهة؟

في البدايةِ، رفضت الإخلاء رغم أنني أحمل الجنسية البريطانية، والوضع الصحي للوالدة أجبرني بعض مضي شهر لاصطحابها لإجراء عملية في القاهرة، وفور الاطمئنان على صحتها ذهبت للمملكة واديت عمرة ، لأنّ الإحساس بأنّ النخب وقيادات العمل السياسي يتحملون الوزر الذي حاق بالأمة السودانية.

 

مأساة عايشتها أيام الحرب؟

كثيرٌ جدًا من المآسي مرت أيام الحرب منها: بعض الأهل وأفراد الأُسرة من الخرطوم كانوا يقصدون الوصول إلينا بالكدرو، وتعرضوا لإطلاق رصاص من الميليشيا بكبري كوبر، وقبيل صعود عربتهم من الخرطوم لكوبر حملوا أحد المارة الواقفين على الطريق، وحينما صعدوا لكوبر تعرضت السيارة التي يقودها سائقي الخاص الذي يقل بعض أفراد الأُسرة للرصاص، وشاءت إرادة المولى أن يتوفى الشخص الذي حملوه من الكبرى وجاؤوا بالجثمان حتى البيت في الكدرو، وعايشنا كذلك معارك شرسةً ضاريةً دارت رَحاها في محيط العمارة التي أقطن بها بالكدرو، الأطفال كانوا يختبئون تحت الأسِرة، وزجاج النوافذ يتهشم، والسيارات أمام المنزل حُرقت.

 

حسرةٌ شديدة؟

لو كان هنالك من ندمٍ، أنا سعيدٌ بأن التغيير الذي حدث 2019، قاد لتوقيع اتفاق السلام الذي أوقف الدماء، ولكن في ذات الوقت هذا التغيير والفشل في إدارته من قبل الفاعلين السياسيين، أدى لوقوع الحرب، ولو عادت عقارب الزمن للوراء لما شاركنا في هذا التغيير بهذا الشكل.

 

حكومة حمدوك ضخمت الميليشيا؟

مجمل فترة الانتقال الممارسة السياسية شابها روح التشفي والانتصار للذات، لم يكن هنالك وعي بالمخاطر المحدقة بالبلاد، وانفتحت القوى السياسية بشكل كبير على الخارج (المجتمع الدولي)، لكي يتدخل بالشأن السوداني، وهذا التدخل واحدٌ من أسباب تقاطع المصالح ونشوب الحرب.

 

هذه حربٌ مختلفة عن سابقاتها؟

(الكفاح المسلح) طوال نضالها ضد النظام السابق، كانت تقاتل وفق قواعد الاشتباك والاحترام للقانون الدولي والإنساني، أما هذه الحرب التي نعانيها الآن، يقودها التمرد ضد الدولة بلا ضوابط أو مراعاةٍ لأي قيمٍ، فهي حربٌ موجهةٌ ضد الإنسان السوداني، والوطن ومقدراته، لا تحمل مشروعًا سياسيًا أو هدف، ويقيني أنّ المتسبب فيها الدوائر الإقليمية والدولية، وأنّ قيادة الدعم السريع لو حاولت أن تختار سبيلًا غير الحرب لتمت تصفيتها من الخارج، وأستشهدُ بجون قرنق الذي دعمته الإمبريالية العالمية، وعقب توقيع اتفاق سلام “نيفاشا”، أراد أن يتخلى عن مشروع فصل جنوب السودان ليحكم السودان كله، هذا الأمر تعارض مع مخططات الدوائر الإمبريالية والغربية، وتخلصوا منه، وإذا كان آل دقلو حاولوا كذلك طريقًا غير الحرب لكان تم التخلص منهم بسيناريو أو بآخر، وعمدت لاستبدالهم بآخرين يعملون على تنفيذ أجنداتهم في تفكيك الدولة وإضعاف جيشها الوطني.

 

عادة فقدتها مع الحرب؟

فقدنا كل ما هو جميل في السودان، من زياراتٍ واجتماعيات الأهل.

 

بعد عامٍ وأشهر من الحرب، ماذا أنت قائلٌ؟

لايزال الأملُ يحدونا بأن يعُم السلام السودان، وإني على يقينٍ من حدوث ذلك، فقط يقلقني ومهمومٌ كثيرًا بتداعيات الحرب وإفرازاتها على النسيج السوداني، وقد تسكت الحرب بالرصاص ولكن، قد تكون هناك حروبٌ أخرى بأسلحة الكراهية وعدم قبول الآخر، وهذا أكبر تحدٍ بعد الحرب.

 

ماذا خسرت في الحرب؟

كل ما تم خسارته ماديًا قابلٌ للتعويض، ولكن خسرنا الطمأنينة، وخسرنا الرحابة والطيبة بين السودانيين، وأخشى ألا نجدها بعد الحرب.

 

 

الثقة بين المواطن والقوى السياسية تكاد تكون انعدمت؟

هذا طبيعي جراء فشل النخب السياسية في إدارة شأن الدولة، وحياتنا السياسية تحتاج إلى تصحيحٍ، ونحتاج إلى التوافق على عِقدٍ اجتماعيٍ جديد، يؤطر الممارسة السياسية ويجعلنا نتفق على خطوطٍ حمراء مثل: وحدة البلاد، وعدم الخضوع للخارج، وإعلاء الحرية والقيمة الوطنية بالداخل.

 

 

بعد التغيير كما ذكرت، كان الاعتماد على المجتمع الدولي، هنالك اتهامات للمكونات السياسية بالعمالة؟

هي تهمةٌ قاسية، ولكن أخشى أنّها تحمل كثير من الصحة، والقوى السياسية لفترة الانتقال تعاملت مع اليمين السوداني بتشفي وانتقام، هذا أدى إلى صراعاتٍ بين قوًى وطنية راشدة حاولت تصحيح مسار الانتقال برفض الممارسات الشائهة على سبيل المثال لا الحصر، ما عرف بلجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو التي أصبحت بقدرة قادر ذراعًا باطشًا يمتلك السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية حتى، في سقوط مريع أيضًا حاولنا تصحيح الأوضاع داخل التحالف الحاكم (الحرية والتغيير) بتحريره من محاولات الاختطاف بواسطة قلةٌ من القوى المدنية تعارفنا على تسميتها (4 طويلة) حتى نصل لقرارٍ مؤسسيٍ داخل (الحرية والتغيير) لبرنامجٍ وطنيٍ، ولكن هذه المحاولات تم رفضها من قبل مجموعات الاختطاف، فأنتج ذلك الوضع التشظي وسط القوى المدنية لمجموعات منها “المركزي” و”الكتلة الديمقراطية” وأخرى.

 

 

(تقدم) بعد الحرب، هل بالإمكان أن نقول بانها انتهت سياسيًا؟

توقعت جراء مأساة حرب أبريل أن تقوم القوى السياسية بمراجعاتٍ حقيقيةٍ، وأنّ الموت والدمار الذي حاق بالبلاد يمكن أن يشكل صدمةً تنتشلُ قيادات المجلس المركزي من ممارساتهم السابقة في الإقصاء والاختطاف وعدم قبول الآخر، جاءت (تقدم) في محاولة للقفز على كل التعقيدات والتشوهات التي صاحبت المجلس المركزي دون معالجة حقيقةً، وكانت أكبر سقطاتها تحالفها مع الميليشيا التي قتلت الأبرياء وأعني هنا التوقيع الذي جرى بأديس في ٢ يناير مطلع هذا العام.

 

ما هي العبر والفوائد المستفادة من الحرب؟

الحرب كُلها شرٌ، وإن كانت من عِبرةٍ، فانّ الوطن غالٍ، وأن نعمل لأجل إعلاء قيم التسامح والقبول بالأخر، وأن ننتبه جيدًا للتحديات الأمنية وقضايا المهاجرين الذين فتحنا لهم أبواب الوطن دون رقابةٍ، وكذلك ألا تنساق المجموعات الشبابية والوطنية خلف دعوات التغيير المستجلبة من الخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى