تقرير- آدم محمد أحمد
ليلة الخميس حملت مفاجأة من العيار الثقيل، بالنسبة للسودانيين من داعمين لإنهاء الحرب بالحسم “بل بس” أو من يدعمون التفاوض “لا للحرب”، وذلك بعد أن دفعت وكالة أنباء الإمارات بأخبار عاجلة ثم تبعتها بخبر مفصل، عن مكالمة هاتفية جرت بين رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
قنبلة خبرية
فالخبر الذي وصفه البعض بـ”القنبلة” أثار جدلا واسعا واستحوذ على مساحات النقاش في مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي، واحتمل الخبر أكثر من زاوية تفسير، أولها ان المكالمة الهاتفية تعتبر الأولى تتم بين قيادة البلدين، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023م، وتعلن تفاصيلها علنا مع أن هناك من يجزم أن البرهان وبن زايد تواصلا في أوقات سابقة لكنه كان تواصلا في طي الكتمان، كما كان يراد لمكالمة الخميس، أن تكون أيضا، بحسب ما نشر من تفاصيل لولا أن الجانب الإماراتي افشى السر، يقول الصحفي المقرب من الجيش د.مزمل أبو القاسم في مقال، إنه “تم الاتفاق على عدم نشر تفاصيل المكالمة إلا بتنسيق مسبق، لكن وكالة الأنباء الإماراتية خالفت ذلك الاتفاق ونشرت الخبر، وفعلت ذلك بعد منتصف الليل، وأوردت فيه أن البرهان هو الذي اتصل بمحمد بن زايد، خلافاً لما حدث فعلياً، وجاء الرد بخبر من إعلام مجلس السيادة السوداني ووكالة السودان للأنباء، حوى سرداً صحيحاً لما دار، وتلخيصاً دقيقاً لما قاله البرهان لابن زايد، حول دعم الإمارات للمتمردين وضرورة الكف عنه”.
تسريب واخلال بالاتفاق
ويرى البعض أن تسريب الخبر من قبل الإماراتيين رغم الاتفاق المسبق بعدم النشر مثلما أشار مزمل وآخرين، انما يشير إلى فرضية واحدة أنه ربما أن نتائج المكالمة لم ترض محمد بن زايد وان ما سمعه من البرهان من اتهامات صريحه دفعته إلى الاخلال بالاتفاق، وهنا يقول الصحفي ضياء الدين بلال، إن نشر محتوى المكالمة من قبل الإمارات يؤكد بأن نتائج الاتصال لم تكن مجدية بالنسبة لها لذلك قصدت إعطاء صورة بان هذا الاتصال هو انتصار لها، عبر اظهار حديث منسوب للبرهان بانه أكد على الموقف الإماراتي الداعم للسودان، وبحسب ضياء أن الغرض من وراء النشر الإماراتي هو أيضا كأنها ارادت أن تقول إن هناك صراع داخل القيادة في السودان انطلاقا من تصريحات ياسر العطا وحديث البرهان الآن عن الإمارات.
مهلة وتوضيح
ولكن اللافت في الأمر هو ليس عدم نشر مجلس السيادة السوداني، خبرا عن المكالمة، من واقع ان هناك اتفاقا تم بسرية الاتصال، ولكن ما اثار التساؤلات هو لماذا تأخر إعلام مجلس السيادة في توضيح خبر الإمارات ولم ينشر خبرا إلا بعد مرور ساعات طويلة؟، هنا يقول الصحفي الطاهر سآتي وهو من المقربين أيضا إلى الجيش، إن تأخير النشر يعود إلى أنه عندما بادرت الإمارات بنشر خبر الاتصال في وكالة الأنباء الإماراتية بدون تنسيق مع السودان و بمحتوى غير صحيح، أجرى السودان اتصالاً مع الإمارات لتصحيح محتوى خبر وكالة الأنباء الإماراتية التي قامت بإجراء تعديل شكلي على الخبر دون تصحيح المحتوى، وأمهل السودان الإمارات وقتًا إضافياً – بطلب منهم – لتصحيح محتوى الخبر، ولم يتم التصحيح حتى صباح اليوم الجمعة، مما دفع السودان إلى نشر خبر الاتصال بحقائقه المجردة، دون إضافات أو اسهاب، وأشار إلى ان مصدر أكد احتفاظ السودان بحقه في إثبات صحة روايته – بوسائل أخرى – في حال نفي الخبر الصادر عن المجلس السيادي.
بادرة جيدة
وبغض النظر عن من “اتصل أولا” هل البرهان أم محمد بن زايد، كما هو حال تضارب الروايات الصادر من حكومة كل دولة، إلا أن مضمون الاتصال بحسب مراقبين خطوة تحمل أكثر من تحليل وتقوم عليها معطيات المرحلة المقبلة في حرب السودان وعلاقة البلدين، فهناك من يرى أن بادرة الاتصال إيجابية تفتح الباب أمام تفاهمات مباشرة بين السودان والإمارات لوقف الأخيرة دعمها للدعم السريع، يقول مزمل إن قيمة الاتصال وأهميته وتأثيره سيحدده ما سيتلوه على أرض الواقع، إذ سيتم المضي قدماً في التفاهمات التي حوتها المكالمة حال توقف الدعم الإماراتي للمتمردين، والعكس صحيح.
يقول أمجد فريد المستشار السابق لعبدالله حمدوك، في منشور رصده (منتدى السودان) إن “حملة التضليل الإعلامي التي تحاول حصر النقاش حول مكالمة البرهان وبن زايد حول من الذي بادر بالاتصال، غير انها هزلية ومضحكة وساذجة تفترض ان المكالمات بين رؤساء الدول تتم بدون تحضيرات مسبقة، تحاول إيجاد مخرج ولو عبر انتصار رمزي لدولة الامارات، يعفيها من حرج انكشاف تورطها في حرب السودان ومسئوليتها عن تمويل ودعم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها المليشيا ضد شعبنا”.
ترتيب أبي أحمد
وأشار فريد إلى أن المكالمة حدثت بترتيب ووساطة من الرئيس الاثيوبي آبي أحمد في محاولة لإيجاد مخرج للإمارات من الحرج الدولي الذي تلاقيه جراء انكشاف تورطها، وأضاف “هذا ما اعتقد اننا كسودانيين لا يجب أن نسمح به بدون تعويضات كافية تساهم في إعادة بناء بلادنا بعد الحرب وتساهم في جبر ضرر الضحايا ومداواة كل ما حدث لهم”.
وتابع “قد افهم أن تأتي هذه الحملة من أبواق الامارات، ولكن لا أفهم أن تتبنى جهات سياسية سودانية واعضاءها حملة رفع الحرج عن الامارات على حساب شعبهم، هذا العار والفضيحة أكبر من أن تغطوه وراء أي ادعاءات عقلانية سياسية، ماذا تريدون بهذا الشعب وقد بررتم من قبل لانتهاك حقوقهم في الحياة والأمان والان تسعون إلى رفع الحرج عن داعمي ومرتكبي الجرائم التي وقعت بحقهم وإعفائهم حتى من المسئولية عليها. السودانيين وحياتهم ليسوا بهذا الرخصة لتبيعوا وتشتروا حياتهم مقابل أطماعكم السياسية واوهامكم في الاستحقاق الذاتي للتحكم في مصير البلاد”.
لماذا طلبت الإمارات الوساطة
ولكن السؤال الذي يظل قائما لماذا طلبت الإمارات التوسط لدى السودان عبر رئيس الوزراء الإثيوبي ثم البحث عن لقاء عبر الهاتف؟، وهل فعلا أدركت الإمارات أخيرا أن مشروعها في توفير الدعم لقوات الدعم السريع عبر السلاح أو الدعم السياسي لمجموعة تنسيقية تقدم، قد لا يوصل أبوظبي إلى أهدافها المتمثلة في السيطرة على موارد السودان من زراعة وذهب وموانئ، إلا عبر الجيش السوداني، يقول المحلل السياسي المسلمي الكباشي إنَّ الاتصال الذي جرى بين رئيس، مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس دولة الإمارات بالأمس، جاء نتيجة للهجمة الدبلوماسية التي حدثت الأسبوع الماضي بزيارة نائب وزير الخارجية السعودية، ورئيس الوزراء الإثيوبي للعاصمة السودانية المؤقتة بورتسودان.
وأضاف “تزامناً مع ما جرى مع أبو ظبي بالأمس، تجري عملية أخرى في جوبا يقودها الإثيوبيون والجنوبيون مع وفد من الدعم السريع للوصول إلى تسوية واتفاق، والأنباء عنها أن الأطراف الوسيطة تدرك مأزق الدعم السريع، وتشجعه على المرونة والواقعية لتحقيق الممكن من المكاسب، في ظل توازن قوى يفلت أوراق الضغط من يديه، والعمليتان تأتيان في سياق كلي في تقديري صنعه الواقع على الأرض، بعد فشل الدعم السريع في السيطرة على الفاشر”.