(1)
تعلم سيدي الرئيس أن بيوتنا أُحتلت ونُهبت، وأن نساءنا اغتصبن وبعضهن تم بيعهن رقيقاً وجواري في بعض مدن غرب السودان وقراه، وتعلم أننا شُردنا في أصقاع الأرض، ولم يبق لنا شيء سوى كرامتنا.. جماهير الشعب تقاتل الآن معك ليس من أجل إرجاع البيوت والأموال وزبد الدنيا الفانية.. إنما يقاتلون وأعينهم تفيض بالدمع لاسترداد كرامتهم لا غيرها، مخطئ من يظن أننا في شوق لأن نرجع إلى منازلنا ومدننا وقرانا المهجورة بأي ثمن، لا والله.. نود أن نعود ونعانقها ونحن مرفوعي الهامة، نعود وكرامتنا موفورة، لا مهزومين ولا منكسرين ولا مستسلمين للجنجويد.. ذلك رجعٌ بعيد.
(2)
سيدي الرئيس، اتفقنا معك أو عارضناك أنت الآن قائد جيشنا ورئيس دولتنا، هذا ما يدفعنا لأن نقاتل تحت رايتك، ولكن سيدي يريد تحالف الأباطرة والخونة بكل السبل نزع رمزيتك، ليعزلوك عن شعبك.. ذلك الشعب الذي كلما التقيته هتف لك داعماً ومسانداً (جيش واحد شعب واحد).. بالأمس القريب أنكر المتاعيس أن يكون لنا جيش أصلاً وزعقوا فينا (معليش معليش ما عندنا جيش)، ثم انتقلوا إلى نغمة (الجيش جيش البرهان) ثم استمروا في إفكهم وقالوا (جيش الكيزان) وما زاد إفكهم وتطاولهم الشعب إلا وعياً وتمسكا بهتافه الخالد والمحبب: (جيش واحد شعب واحد).
(3)
سيدي الرئيس.. حاولوا نزع رمزيتك غير مرة.. منذ الإطاري، أرادوا أن يحولوك إلى قائد للجيش فحسب، ليضعوا فوق رأسك (همبولاً مدنياً) يختارونه بعناية وتحته جيش المتمردين!! حاولوا مرة أخرى أن يضعوك أنت والمليشيا في مرتبة واحدة حينما طفقوا يتحدثون عن (طرفي النزاع)، ثم وصفوا الحرب بأنها محض صراع بين جنرالين على السلطة، لا حرباً بين دولة ذات سيادة ومتمردين عليها، ثم حاولوا أيضاً وصفك برئيس (حكومة بورتسودان) وليس السودان، وبرئيس (حكومة الأمر الواقع)، ثم (حكومة الانقلاب)، والآن يدعوك الأمريكان للمفاوضات نازعين عنك صفة السيادة كرئيس لدولة السودان أولاً، عندما خاطبوك بمسمى قائد القوات المسلحة، ودعوا المليشيات المحلولة باسم قوات الدعم السريع، يعني أنهم وضعوا تلك المليشيات المجرمة مع مقام الجيش الوطني للدولة كتفاً بكتف، وهي بزعمهم قوات موازيةً ومساويةً له.. وضعوا رأسك -أنت رئيسنا ورمز سيادتنا- سواءً برأس قائد التمرد المجرم.. ذلك قبل أن يتنازلوا ويسارعوا إلى تصحيح ذلك السخف مؤخراً.
(4)
الآن يا سيادة الرئيس، بعد أن وصلوا لقناعة أنك لن تشارك في جنيف بتلك الدعوة الغبية الساذجة المهينة، والتي تخلو من أي قدر من الاحترام لسيادة الدولة ورئيسها، ها هم يحاولون بكل السبل اقناعك أو وفدك بالذهاب لجنيف، وبدوا ظاهرياً يقدمون التنازلات ويسربون الأخبار المضللة، وأغلبها تصريحات منقولة عن مصادر مجهولة لقياس الرأي العام، وليست تصريحات جادة ورسمية من رعاة المفاوضات.
(5)
إضافة يا سيادة الرئيس لما ذكرت أعلاه يسعى (الأباطرة والخونة) لأن يحصدوا مكاسب سياسية رخيصة من هذه الألاعيب، فبمجرد سريان وقف إطلاق النار سيسعون إلى إعادة المليشيا وقادتها إلى الساحة السياسية، ليطغوا مجدداً ويعيثوا في الأرض فساداً كما فعلوا من قبل وأفسدوها بالمال الحرام، فضلاً عن مواصلة تحالفهم القميء مع قحت (أو تقدم).. أضف إلى ذلك سيسعون إلى حقن القتلة في جسد الجيش السوداني الذي خانوه وقتلوا منه الآلاف.. حينما أتخيل أن عبد الرحيم دقلو يقدل مجدداً في ساحة القيادة العامة ليدوس على قبور شهداء الحرس الرئاسي الأبرار ويتلقى التحية العسكرية من ضباط الجيش يصيبني دوار وتلم بي غُمة، فأستعيذ بالله من همزات الشياطين.
(6)
تعلم يا سيادة الرئيس أن هؤلاء المتعايس يلعبون الآن لعبةً بالغة الخطورة.. يستهدف أولها لنزع رمزيتك وإنكار مشروعيتك، وثانيها تقويض أسس منبر جدة المهجور بلا مبرر، وثالثها تفكيك وحدة الشعب واصطفافه خلف قواته المسلحة، ورابعها تفكيك تحالف الحركات المسلحة مع الجيش، وخامسها (وذلك يمثل أخطر الأهداف الخبيثة والخفية) محاولة زرع فتنة داخل الجيش، الذي يرفض مجرد جلوسك أو جلوس وفدك مع هؤلاء المجرمين الأوباش.. سيحققون كل تلك الأهداف بضربة واحدة (جنيف).. إذا تنازلت وقبلت أن يهدروا رمزيتك ووضعت رأسك برأس المتمرد الباغي الشقي، ووضعت جيش البلاد كتفاً بكتف مع مجرمين قتلوا أهل السودان واغتصبوا واسترقوا حرائر السودان، وشردوا الملايين من أهل السودان، أو إذا قبلت الذهاب لجنيف من دون ضمان تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جدة مقدماً، ذلك الجند الوحيد الذي ينبغي لوفد حكومة السودان- وليس وفد الجيش- المطالبة بتنفيذه قبل أن يُيمِّم وجهه شطر جنيف أو سواها.
(7)
تدرك سيدي الرئيس أنهم عجزوا أن تفكيك الجيش بالإطاري، ثم فشل انقلابهم الدموي، ثم عجزوا أن يهزموا الجيش بالحرب الغادرة التي شنوها بالرغم من حشدهم للمرتزقة وأحدث الأسلحة، وها هم يحاولون تحقيق ما عجزوا عنه بكل ما حشدوا، على موائد التفاوض وهيهات.. إذ لم يعد بأيديهم ما يمكنهم تخويفنا به، فأسوأ ما يمكن أن يفعلوه بنا وبأهلنا سبقهم إليه الجنجويد.
سيدي الرئيس لا أقول لك لا تفاوض وإن منحوك الذهب، ولكنني أقول لك فاوض بعزِّة، وعلى شروط وقواعد متينة، تحفظ كرامتنا وتعيد لبلادنا وسامتها، وتردها إلينا سالمة ونظيفة من همجٍ رمت بهم الصحارى ذات غفلةٍ في جنة المأوى.
نقلا عن الأحداث