الأخبارالرئيسية

نبيل أديب يكشف عن مفاجأة في العقوبات الأمريكية على السودان

كتب المحامي والخبير القانوني د. نبيل أديب، مقالا تحت عنوان “التهديد الأمريكي للسودان والقانون الدولي” قائلا: ما قامت به الولايات المتحدة مؤخرا من اتهامها للسودان بتورطه في استخدام أسلحة كيميائية في الحرب التي شنها المتمردون على الدولة السودانية وإعلانها عن أنها بسبيلها لاتخاذ عقوبات اقتصادية في مواجهة السودان يثير تساؤلاً هاماً، وهو هل تملك الولايات المتحدة السلطة لأن تفعل ذلك؟ للإجابة على ذذلك لا بد لنا من التعرف أولا على الموقف الدولي فيما يتعلق بإستخدام دولة لأسلحة كيميائية وما هو السبيل في القانون الدولي لمناهضة ذلك.

 

 

الموقف الدولي من الأسلحة الكيميائية

أ حظر استخدام الأسلحة الكيميائية دوليا

تحدد الموقف الدولي من الأسلحة الكيميائية، اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. وهي معاهدة دولية متعددة الأطراف، تم التوقيع عليها عام 1993 ودخلت حيز التنفيذ عام 1997، وتهدف إلى القضاء الكامل على الأسلحة الكيميائية، ومنع استخدامها أو تطويرها أو تخزينها. تهدف الاتفاقية إلى إزالة فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل، وذلك من خلال حظر استحداث وإنتاج وحيازة وتخزين الأسلحة الكيميائية، والاحتفاظ بها، أو نقلها، أو استعمالها، من جانب الدول الأطراف. كما يجب على الدول الأطراف أن تتخذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحظر فيما يتعلق بالأشخاص (الطبيعيين أو الاعتباريين) في إطار ولايتها القضائية.

 

 

 

وقد اتفقت كافة الدول الأطراف في المعاهدة،على نزع السلاح الكيميائي وذلك بتدمير كل ما قد تحوزه من المخزونات من الأسلحة الكيميائية ومرافق إنتاجها، وتدمير كل الأسلحة الكيميائية التي قد تكون خلـّفتها في الماضي على أراضي دول أطراف أخرى. كما اتفقت الدول الأطراف على إنشاء نظام تحقق خاص بمواد كيميائية سامة معيَّنة وبسلائفها (المواد الكيميائية المُدرَجة في الجدول 1 والجدول 2 والجدول 3 في مرفق الاتفاقية المتعلق بالمواد الكيميائية) بغية ضمان عدم استخدام هذه المواد الكيميائية إلا لأغراض غير محظورة

 

 

 

ومن السمات الفريدة التي تتميز بها الاتفاقية أنها تـُهيّئ لإمكانية إجراء “تفتيش بالتحدي” [تفتيش مستعجل يُجرى بناءً على تشكيك]، يتيح لأية دولة طرف تساورها شكوك بشأن امتثال دولة طرف أخرى للاتفاقية، أن تطلب من المدير العام أن يوفد فريق تفتيش إلى الدولة المشكوك في امتثالها. وبموجب إجراء “التفتيش بالتحدي” الذي تتيحه الاتفاقية، تعهدت الدول الأطراف بالتقيد بالمبدأ القاضي بإجراء عمليات تفتيش في أراضيها “في أي وقت، وفي أي مكان” من دون أن يكون لها الحق في أن ترفض ذلك.

 

 

 

وأخيرا فإن كلا دولتي السودان والولايات المتحدة هما أطراف في الإتفاقية

ب وسيلة التحقق من مخالفة دولة لأحكام الإتفاقية

تنص المادة الثامنة من الإتفاقية على أن تنشئ الدول الأطراف في الاتفاقية منظمة حظر الأسلحة الكيميائية, من أجل تحقيق موضوع هذه الاتفاقية والغرض منها، وتأمين تنفيذ أحكامها، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بالتحقق الدولي من الامتثال لها، وتوفير محفل للتشاور والتعاون فيما بين الدول الأطراف.  تكون جميع الدول الأطراف في الاتفاقية أعضاء في المنظمة. ولا تحرم دولة طرف من عضويتها في المنظمة وينشئ الأعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة

 

 

 

يجوز لأية دولة طرف أن تطلب إلى المجلس التنفيذي الحصول على إيضاح من دولة طرف أخرى، بشأن أية حالة قد تعتبر غامضة، أو تثير قلقاً بشأن احتمال عدم امتثالها للإتفاقية. وفي هذه الحالة ينطبق ما يلي:

(أ) يحيل المجلس التنفيذي طلب الإيضاح إلى الدولة الطرف المعنية عن طريق المدير العام في موعد غايته 24 ساعة من وقت استلامه.

 

 

(ب) تقوم الدولة الطرف الموجه إليها الطلب بتقديم الإيضاح إلى المجلس التنفيذي بأسرع ما يمكن, على ألا يتأخر ذلك بأي حال عن عشرة أيام من تاريخ استلامها الطلب.

(ج) يأخذ المجلس التنفيذي علماً بالإيضاح ويحيله إلى الدولة الطرف الطالبة في موعد غايته 24 ساعة من وقت

 

 

استلامه.

(د) إذا رأت الدولة الطرف الطالبة أن الإيضاح غير كاف, فإنه يحق لها أن تطلب إلى المجلس التنفيذي الحصول على مزيد من الإيضاح من الدولة الطرف الموجه إليها الطلب.

(هـ) لأغراض الحصول على المزيد من الإيضاح المطلوب بموجب الفقرة الفرعية (د), يجوز للمجلس التنفيذي أن يطلب من المدير العام إنشاء فريق خبراء من الأمانة الفنية, أو من أي جهة أخرى إذا لم يتوفر الموظفون الملائمون في الأمانة الفنية, لدراسة جميع المعلومات والبيانات المتاحة ذات الصلة بالحالة التي أثارت القلق. ويقدم فريق الخبراء تقريراً وقائعياً عن النتائج التي توصل إليها إلى المجلس التنفيذي.

 

 

 

(و) إذا ارتأت الدولة الطرف الطالبة أن الإيضاح الذي حصلت عليه بموجب الفقرتين الفرعيتين (د) و(هـ) من هذه الفقرة غير مرض، يحق لها أن تطلب عقد دورة استثنائية للمجلس التنفيذي يكون للدول أطراف المعنية غير الأعضاء في المجلس التنفيذي الحق في أن تشترك فيها. وفي هذه الدورة الاستثنائية، ينظر المجلس التنفيذي في المسألة ويجوز له أن يوصي بأية تدابير يراها ملائمة للتصدي لهذه الحالة

 

 

 

الأثر السلبي للتدابير القسرية على حقوق الإنسان

معلوم أن الولايات المتحدة كانت قد علنت في شهر مايو المنصرم، أنها خلصت إلى أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية خلال العام الماضي، في خضم الحرب الأهلية المستمرة. وبناءً على ذلك، قررت واشنطن فرض عقوبات على السودان  من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل ( أي الشهر الحالي) وواضح من هذا التصريح أن واشنطن خلصت لإستخدام السودان لأسلحة كيمائية من تحقيق تدعي أنها أجرته بواسطة جهات تابعة لها. ولم تفصح عن كيفية إجرائها لذلك التحقيق ولا عن إجراءاته ولم تشرك السودان في هذا الشأن. ولم تفصح الولايلت المتحدة عن طبيعة القوبات التي تنوي إتخاذها. وقرار أمريكا في هذا الصدد هو إجراء معروف في القانون الدولي بالتدبير القسري الإنفرادي.

 

 

يشير مصطلح “التدابير القسرية الانفرادية” عادة إلى التدابير الاقتصادية التي تتخذها دولة معيّنة بهدف فرض تغيير في سياسة دولة أخرى، بغض النظر عما إذا كان التغيير المطلوب يتسق مع القانون الدولي او لا. ومن الأمثلة على هذه التدابير العقوبات التجارية في شكل حصار ووقف التدفقات المالية والاستثمارية بين البلدان المرسِلَة والبلدان المستهدَفة. وقد استخدمت مؤخّرًا بعض الدول فرديّة ما يُعرَف بالعقوبات “الذكية” أو “المستهدفة” مثل تجميد الأصول وحظر السفر، من أجل التأثير على أشخاص يُعتَبَر أنهم يتمتعون بنفوذ سياسي في دولة أخرى (قرار مجلس حقوق الإنسان) 19/ 33

 

 

 

وهذه التدابير القسرية الانفرادية من شأنها أن توثر سلبا على شعب الدولة المستهدفة بالعقوبات، فتحرمه من حقه في التمتع بكامل حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما حقوق كل فرد في العيش في مستوى معيشي لائق، وملائم لصحته ورفاهه. كما وقد يعني ذلك حرمانه من الغذاء، والرعاية الطبية، والسكن، والخدمات الاجتماعية الضرورية

 

 

 

وفقا لذلك فلقد إتخذ مجلس حقوق الإنسان العديد من القرارات بشأن إنتهاك حقوق الإنسان بواسطة التدابير القسرية الانفرادية. في 26 أيلول/ سبتمبر 2011، اعتمد مجلس حقوق الإنسان القرار  رقم 21/27 والتصويب  ا  وقد جدد القرار عدة مرات كان آخرها في تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولقد قرر مجلس حقوق الإنسان على تعارض تلك التدابير  مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة والقواعد والمبادئ المنظِّمة للعلاقات السلمية بين الدول، وسلط الضوء على أن هذه التدابير، في المدى الطويل، قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية وتُثير مخاوف إنسانية في الدول المستهدفة

 

 

 

وبعد التركيز على المشاكل والمظالم المترسِّخة في النظام الدولي، ومن أجل ضمان التعددية والاحترام المتبادل وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية، قرر مجلس حقوق الإنسان إنشاء ولاية المقرر الخاص، المعني بالأثر السلبي للتدابير القسرية الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان. وتتولى هذا المنصب حاليا لبروفيسورة ألينا دوهان من بيلاروسيا والتي تقوم بنشاط ملحوظ  بغرضالدعوة إلى تعليق التدابير القسرية الانفرادية، التي تؤثر سلبًا على التمتع بحقوق الإنسان في البلدان المتضررة من هذه العقوبات

 

 

 

عدم مشروعية التدابير القسرية الإنفرادية  وفقا لميثاق الأمم المتحدة

ينص  ميثاق الأمم المتحدة على ان تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها. ورغم أن الميثاق لم يستخدم لفظ جزاء إلا أنه أجاز في حالات محددة توقيع إجراءات منع أو قمع على عضو ما، ولكنه وضع تلك الإجراءات في يد هيئات الأمم المتحدة على النحو الذي سنعرضه فيما يلي. ولم يجز للدولة بان تستخدم القوة المسلحة ضد دولة معينة إلا حال ردا على إعتداء مسلح شنته عليها تلك الدولة. وهذا ما يعرف في القانون الدولي بمبدأ الدفاع المشروع عن النفس.

 

 

 

واقع الأمر أن الميثاق ألزم الدول الأعضاء، متى ما دخلوا في نزاع فيما بينهم، من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر، أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها (م 33 من الميثاق) وهو ما يعني عدم لجوءهم لتدابير من شأنها تفاقم النزاع بدلا من حله، كما تزمع الولايات المتحدة أن تفعل.

 

 

 

وحرصا من الميثاق على أن لا يترك الموقف في يد أطراف النزاع المحتمل، فلقد أجاز لكل عضو من “الأمم المتحدة” أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من شأن استمراره، أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر. بل ومنح الحق في تنبيه مجلس الأمن لذلك النزاع حتى للدول التي لا تتمتع بعضوية الأمم المتحدة.

 

 

 

. كذلك فلقد دعا الميثاق مجلس الأمن، إلى أن يفحص أي نزاع أو أي موقف، قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا، لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي. وأجاز لمجلس الأمن أن يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية طالبا منه أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم، وعليه أن يراعي أيضاً أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع – بصفة عامة – أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي لتلك المحكمة

 

 

 

وعلينا هنا أن نلاحظ أن سلطات مجلس الأمن في فض النزاعات هي ليست سلطات قسرية فرضها الميثاق، بل هي نابعة من  الرضوخ الطوعي لتلك الدول، حيث أنهم عهدوا إليه بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي أي لمجلس الأمن، ووافقوا على أن أن يعمل المجلس نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات. (م 24 من الميثاق).

 

 

 

. بالمقابل لا يوجد في الميثاق اية قاعدة تجيز للدول فرض عقوبات اقتصادية ضد الدول الاخرى، حيث تصبح اي عقوبة متخذة بشكل فردي من قبل دولة ما، خارج اطار ميثاق الامم المتحدة . ولا يصح هنا التعذر بالقانون الأمريكي، فالجمعية العامة للامم المتحدة اكدت أن القوانين الوطنية تنحصر آثارها في الحدود الاقليمية للبلد الذي اصدر التشريع. ولقد دعت جميع الدول في القرار رقم ٦/٦٥ تاريخ ٢٠١٠/١٠/٢٦ الى الامتناع عن اصدار وتطبيق قوانين وانظمة تتجاوز حدودها وتمس آثارها سيادة دول اخرى، ومصالح مشروعة لكيانات او اشخاص خاضعين لولايتها القضائية. كما اعتبرت الجمعية العامة في قرارها رقم ٢١٧/٦٥ تاريخ ٢٠١٠/١٢/٢١ ان التدابير والتشريعات القسرية المتخذة من جانب واحد منافية للقانون الدولي، والقانون الدولي الانساني، وميثاق الامم المتحدة، والمعايير والمبادئ التي تحكم العلاقات السلمية بين الدول، والتي تدين مواصلة بعض الدول تطبيق تدابير قسرية متخذة من جانب واحد وترفض استخدام تلك التدابير بكل ما لها من آثار تتجاوز الحدود الاقليمية كادوات للضغط السياسي او الاقتصادي على اي بلد.

ان العقوبات الاقتصادية التي تفرض ضد دولة معينة، بشكل مستقل عن قرارات مجلس الامن، هي تدابير انفرادية احادية الجانب غير مشروعة وتتعارض مع احكام القانون الدولي.

وفقا لكل ذلك فإن التدابير التي تزمع أمريكا في إتخاذها ضد السودان هي تدابير غير مشروعة ، وتشكل عدوانا على السودان، ويحق للسودان تقديم شكوى ضدها للأمم التحدة، أو مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية

نبيل أديب عبدالله

المحامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى