الخرطوم- هبة علي- جدل واسع اكتنف المشهد السوداني بُعيد توصية بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان بنشر قوة مستقلة ومحايدة لحماية المدنيين السودانيين، والتي أتت عقب رصد البعثة لانتهاكات الأطراف المتحاربة ضد المدنيين.
وتواجه التوصية مصيراً مجهولاً في ظل تقاطعات مجلس الأمن في التعامل مع ملف السودان فضلاً عن تباينات وجهات النظر بالداخل السوداني حولها..
وقالت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان في تقريرها “أمس الجمعة” إن الأطراف المتحاربة في السودان ارتكبت مجموعة مروعة من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية، بما في ذلك العديد من الجرائم التي قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وقال محمد شاندي عثمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق: “إن خطورة هذه النتائج تؤكد على ضرورة التحرك العاجل والفوري لحماية المدنيين”.
وأضاف: “نظرًا لفشل الأطراف المتحاربة في تجنيب المدنيين، فمن الضروري نشر قوة مستقلة ومحايدة بتفويض لحماية المدنيين دون تأخير”. “إن حماية السكان المدنيين أمر بالغ الأهمية، ويجب على جميع الأطراف الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي ووقف جميع الهجمات على السكان المدنيين على الفور ودون قيد أو شرط”.
وقد أتت هذه التوصية ضمن مجموعة توصيات بخصوص السودان، من بينها توسيع ولاية محكمة الجنايات الدولية لتشمل السودان كله وليس دارفور فحسب، وتوسيع نطاق حظر توريد السلاح ليشمل جميع مناطق السودان ، وكذلك النظر في تكوين آلية قضائية دولية لتعمل جنباً إلى جنب مع المحكمة الجنائية الدولية.
وشُكلت البعثة من قبل مجلس حقوق الإنسان في أكتوبر العام الماضي بهدف توثيق الانتهاكات التي حدثت منذ بداية النزاع في أبريل 2023، والذي نشب بين الجيش وقوات الدعم السريع مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف، مع تقديرات تشير إلى أن الحصيلة قد تصل إلى 150 ألف قتيل.
وتتكون البعثة من 3 أعضاء من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، تم تعيينهم من رئيس مجلس حقوق الإنسان.
واعتبرت الخارجية السودانية التوصية مشروع قرار غربي لمحاولة خلق غطاء سياسي للتدخل الأجنبي.
وأشارت الخارجية من خلال حديثها لقناة الحدث، إلى أنها ستنسق مع الصين و روسيا لمنع أي تعديلات على مشروع القرار، قاطعةً بسعيها لإبطاله عبر “فيتو” أصدقاء السودان.
أما الدعم السريع فقد رحب بالتوصية وأكد أنها تأتي كاستجابة طبيعية لتعنت الجيش ورفضه الدخول في مفاوضات، بالإضافة إلى تصعيده المستمر واستهدافه للمدنيين.
و أوضح الباشا طبيق، مستشار قائد الدعم السريع، أن هذه التوصية تعكس الحاجة الملحة لحماية المدنيين في ظل الظروف الراهنة، مشيراً إلى أن الوضع الحالي يتطلب تدخلاً دولياً لضمان سلامة المواطنين.
كما أشار بتغريدة على منصة “X” إلى أن نشر القوة المحايدة قد يؤدي إلى تغيير جذري في المشهد السياسي في السودان، مما يساهم في فرض واقع جديد قد يفضي إلى وجود حكومتين في البلاد.
وأتت التوصية بنشر قوات محايدة لحماية المدنيين السودانيين ضمن جملة توصيات بخصوص السودان، ومن بينها التوصية لمجلس الأمن بتوسيع ولاية محكمة الجنايات الدولية لتشمل السودان كله وليس دارفور فقط ، وتوسيع نطاق حظر توريد السلاح ليشمل السودان كله وليس دارفور فقط، والنظر في تكوين آلية قضائية دولية لتعمل جنباً إلى جنب مع المحكمة الجنائية الدولية.
وأوضح أستاذ العلاقات الخارجية بجامعة أفريقيا العالمية د. محمد خليفة بحسب النورس نيوز أن تقرير لجنة تقصي الحقائق اشتمل على توصيات وليس قرارات، مشيراً إلى أن اللجنة ليست مخولة باتخاذ قرارات، وسيتم رفع تقرير اللجنة لمجلس حقوق الإنسان المنعقد يوم 9 الجاري في جنيف، وسيكون هناك حوار مفتوح حول الوضع في السودان بمشاركة المفوض السامي لحقوق الإنسان وممثل الاتحاد الإفريقي ومستشار الأمين العام للأمم المتحدة.
ونوه إلى أن التقرير الذي حوى اتهامات للجيش ومليشيات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب سيقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها التاسعة والسبعين في العاشر من شهر سبتمبر الجاري، متوقعاً أن يثير التقرير نقاشاً واسعاً.
من جهته قال الكاتب الصحفي عثمان ميرغني، إن توصية بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، بنشر قوة لحماية المدنيين، بداية للتدخل العسكري المباشر في البلاد.
وأضاف في تدوينة على فيسبوك، “كما أنها بداية لتقسيم السودان، لأنها ستكرس احتلال قوات الدعم السريع للمناطق التي استولت عليها”، مشيرا إلى أن القوات “لن تحمي المدنيين بل ستحمي الحرب”..
أما المدير التنفيذي لمركز جنيف لحقوق الإنسان نزار عبد القادر فتوقع أن ينجح القرار في مجلس الأمن، خاصةً وأن موضوعه الرئيسي هو حماية المدنيين.
وأردف: “من غير المحتمل أن تعارض الصين وروسيا مثل هذا القرار، بالنظر إلى السوابق التاريخية التي تشير إلى عدم استخدامهما لحق النقض (الفيتو) في القضايا المتعلقة بالسودان، حيث امتنع الاثنان في بعض الحالات عن التصويت. وأفضل مثال على ذلك هو موقفهما من القرارات الأخيرة المتعلقة بوقف إطلاق النار في الفاشر”.
و أوضح عبد القادر أن تشكيل البعثة سيكون مختلطًا ولن تكون بعثة أممية بالكامل، وسيتم التوصل إلى تفاهمات مع الاتحاد الأفريقي لتكون البعثة هجينًا تجمع بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وهو ما تدعمه أيضًا الشواهد التاريخية، حيث أن الاتحاد الأفريقي هو الجهة المعنية بشكل أساسي بالأوضاع في السودان، بحسب حديثه لـ”دبنقا”.
وأشار إلى أن حماية المدنيين لا تحتاج إلى موافقة الحكومة السودانية، حتى لو تم الاعتراف بوجود حكومة سودانية، حيث أن الأمم المتحدة تتعامل حالياً مع طرفين يمثلان السلطة الفعلية وهما القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.