¤ يجب الاخذ في الاعتبار ان الطلب الذي تقدم به الرئيس التركي رجب أردوغان لنظيره عبد الفتاح البرهان بالتوسط بين السودان والإمارات هو الأول من نوعه .. وهذا يعني ان المتغيرات الجارية بالمنطقة قد تشمل السودان في مقبل الأيام.
¤ لماذا تطرح تركيا نفسها كوسيط ؟
أولاً: تنتهز تركيا كل سانحة لتودع رسالة محبة وسلام في بريد الاتحاد الأوربي لتؤكد جدارتها بالانضمام الى المنظومة الاوربية.. وانها دولة راعية للسلام وغير داعمه للارهاب.
ثانياً: تركيا من ابرز حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة.. وارادت ان تفدم عربون صداقة للرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترمب في ولايته الجديدة التي ستبدأ بعد نحو خمسة اسابيع.. سيما وان ترمب رفع شعار (لا للحروب).
ثالثاً: اراد اردوغان انقاذ حليفته الامارات من الحصار الدولي.. وذلك لأن السودان نجح بقدر كبير في تعريتها امام الراي العام العالمي.. وهدم ما بنته طيلة السنوات الماضية من صرف ملياري على تحسين صورتها امام الغرب الاوربي والامريكي.
ان علاقة تركيا وثيقة مع الامارات.. التي ساهمت في فوز اردوغان بالرئاسة.. وكان رجب وبن زايد عقدا في مارس 2023 قمة عبر الاتصال المرئي.. غرد بعدها الرئيس محمد وكشف عن بلوغ التجارة غير النفطية بين بلاده وتركيا ما يقارب 19 مليار دولار في عام 2022 بزيادة قدرها 40% عن عام 2021، و 112% عن عام 2020، لتصبح تركيا الشريك الأسرع نموا بين أكبر 10 شركاء تجاريين للإمارات.
وبعد فوز اردوغان بالرئاسة 28 مايو 2023 بنحو (12) يوم فقط زار بن زايد، تركيا – وربما يكون اول رئيس يهنئ رجب وجها لوجه- ورد اردوغان الزيارة بعد خمسة اسابيع (19 يوليو).. في ابوظبي تم توقيع اتفاقيات بـ (50) مليار دولار بين البلدين ومنحه الرئيس محمد، “وسام زايد”.. أعلى وسام تمنحه الإمارات لقادة الدول وملوكها ورؤسائها. وبالتالي شراكة بهذا الثقل تدفع اردوغان للمحافظة عليها باقناع السودان بالكف عن فضح الامارات وعدم اظهار وجهها الآخر.
رابعاً: سعت تركيا طرح نفسها كوسيط لتأكيد انها الداعم الاول لدول الخليج.. وكانت دعمت قطر في الازمة الخلجيية 2017 حتى انجلت مطلع 2021.. ودعمت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دوليا في صعوده السياسي المستحق.. كما دعمت الشعب السوري بالمساهمة الكبيرة في اطاحة الاسد وهاهى تدعم الامارات.
خامساً: تتميز تركيا بعلاقة قوية بالسودان على الصعيد الامني.. وبينهما تعاون كبير للغاية.. سبق وان اهدت انقره نصيحة غالية للبرهان عندما زار مدير مخابراتها هاكان فيدان (وزير الخارجية الحالي) الخرطوم قبيل تمرد الباغي الشقي حميدتي بنحو شهرين (راجعوا تفاصيل الزيارة) ونقل له التحركات المريبة لحميدتي.. كما ان ثقة تركيا كبيرة في الامن السوداني بدليل وجود مدير المخابرات الأسبق محمد عطا المولى باراضيها.
سادساً: وجدت تركيا موطأ قدم في جارتنا ليبيا ودعمت حكومتها واستفادت من النفط الليبي.. وتوقن انها لن تجني مكاسب وجودها في ليبيا حال لم يستقر السودان.. وتدرك ان الاخير فاعل وبشكل كبير في الشان الليبي – على الاقل ايام البشير – بدليل ان السودان ساهم في اطاحة القذافي.. ويعتبر الفريق اول محمد عطا هو الفاعل في الملف وسبق للمخابرات الامريكية الاستنجاد به ابان المفاوضات بين الخرطوم وواشنطن التي توجت برفع العقوبات الاقتصادية في 2017. ومن اجل المصلحة الوطنية نتمنى ان يستعين به البرهان، ولو كانت الحكومة تملك الشجاعة الكافية لرشحت عطا سفيرا بانقرة مع التأكيد على ان سفير السودان الحالي نادر يوسف من الاكفاء والسفراء المميزين بالخارجية
سابعاً: تدرك تركيا انه حال نجاح وساطتها بايقاف الحرب في السودان ستحجز لنفسها مقعداً مريحاً في دوري اعادة اعمار السودان.. خاصة وانها تحظى بثقة كبيرة في السوق السوداني. وقد تتمكن من تنفيذ ألاتفاقيات التي ابرمها اردوغان مع البشير لدى زيارته الخرطوم في 2017.. والتي لم ينفذ منها سوى تأسيس بنك تركي وعلى رأسها إعادة تأهيل جزيرة سواكن في البحر الأحمر والتي تركز عليها تركيا ، زراعة مليون فدان ،إنشاء صوامع للمحاصيل، اتفاقيات في مجال صناعة الحديد والخدمات الصحية والتجارية ،انشاء مطار جديد في الخرطوم ،الاتفاق على مذكرة تفاهم في مجال توليد للكهرباء، تصدير القطن والاستثمار في المناطق الحرة لصالح صادرات البضائع التركية
¤ وسؤال آخر لماذا يقبل السودان وساطة تركيا؟
أولاً: لحرصها منذ اشعال حميدتي للحرب على وحدة السودان واستقراره.
ثانياً: دعمها لشرعية الحكومة السودانية بفتح سفارتها في بورتسودان..وحتى بعد انتهاء فترة عمل سفيرها رشحت سفير جديد تم اعتماده في بورتسودان ويباشر عمله بكل همه.
ثالثاً: دعمها المستمر للشعب السوداني بكل الإمكانيات واستقبلت الفارين من الحرب ممن دخلوا أراضيها واستمرارها تقديم المساعدات الإنسانية وإعلان اردوغان استئناف عمل الخطوط التركية قريباً.
رابعاً: تركيا الوحيدة التي قد تضمن للبرهان مستقبل سياسي ما بعد الحرب، لثقته الشخصية فيها بدليل اختياره لها مقرا لإقامة اسرته.. حتى لو رهنت تركيا ذلك بضرورة سماحه للرئيس البشير بالعلاج بمشافيها او في مستشفيات الدوحة.
¤ كيف يتعامل البرهان مع طلب اردوغان ؟
أولاً: ان يتعامل معه بعيدا عن العاطفة.. تعويض الامارات للسودانيين.. بتنظيم مؤتمر لإعادة الاعمار يعقد باستانبول يساعم فيه الجميع بما فيهم تركيا.. يتم من ريعه تقديم تعويضات نقدية للسودانيين واعادة اعمار مادمرته المليشيا.
ثانياً: يتم حسم ملف الموانئ السودانية ولا بأس ان تدخل الامارات في تشغليها شريطة ان تتم الخطوة عبر شركات تركية.
ثالثاً: تضمن تركيا، تدريب وتسليح للجيش السوداني.. بحيث توفر المسيرات على سبيل المثال.. وتأخذ المقابل المادي من حلفائها وثيقي الصلة بالسودان مثل قطر والسعودية.
رابعاً: يأخذ السودان ضمانات بان تفتح له تركيا وبمعاونة الامارات والسعودية ومصر، صفحة جديدة مع الرئيس الأمريكي ترمب.
خامسا: ان تثبت تركيا قدرتها في تحقيق رغبة الشعب السوداني بانه لا مكان للجنجويد في خارطة الحكم والسياسة في السودان
osaamaaa440@gmail.com