مقالات

حين يصبح الموت متعدد الطرق

كتب- محمد بدوي- تحت عنوان “في رثاء الصديق أديب عمر: حين يصبح الموت متعدد الطرق” قائلا: ربت على كتفي يا صديقي، لأصحو من هذا الحلم، فالبال مثقل (أو منهك) من وطأة فيضان الأحزان فينا، بفعلنا وصنع بني جلدتنا. لحظة تكفي وتزيد لينهمر الدمع مجددا وغزيرا. وداعا للسلوى، فالفقد تجاوز ما تحصيه الأصابع، وعزاء ينبئ به الحدس مقدما. لقد صار الموت متعدد الطرق، رغم أرومته المنتمية للبارود أو لما يوقف جريان الدم في العروق. إنه فعل تقابل لا يغشاه الديالكتيك ولو على عجل. رحماك يا ودود، وبلطف حبك للملاحة، وانحيازك للجمال، ارفق بما يبقي الابتسامة حياة وأمانا تزهو بها الطمأنينة علانية في المجالس، وفي لحظة تأمل مسكونة بتمني الستر ووسامة الأمنيات.

 

 

 

لم تمض ثوان إلا وجاء الرد: “أنا محمد ولده” على رسالتي النصية التي بعثت بها لحسابه. فحييته وطلبت منه أن يبلغ والده التحية: “سلم عليه”. فكثيرا ما كان يترك هاتفه بالمنزل حين الخروج. لم أسأله عن السبب، فالحال كان يكشف عن أسباب عدم الأمان واحتمال فقدان الهاتف، لكن كانت تحيتي كافية ليعاود التواصل.

 

 

 

“أبوي الله يرحمه…” لوهلة، ظننت – بكامل وعيي أو ربما بما أملته علي مخاوفي الباطنية – أن ما أخشاه قد حدث: أنه فقد هاتفه وأن من حصل عليه يحاول العبث معي. “قول كلام تاني غير ده يا محمد؟” “اتوفى امبارح بالملاريا وحمى الضنك.” واصلت بإصرار، أو ربما بعدم تصديق: “ده كلام شنو يا محمد؟ خبر فاجع!” جاء رده، ببراءة الأطفال وعجزهم: “نسوي شنو؟!” حينئذ فقط، أفقت على وقع جبل الحزن وثقل الفاجعة!

 

 

هكذا رحل أديب عمر جاد الرب. حمى تجاوزت طاقة احتمال جسده. شخصت حالته بالملاريا وحمى الضنك. أربعة وعشرون دربا (حقنة وريدية)، الواحد تلو الآخر كل أربع ساعات، لكنها فشلت في إعادة جسده لدرجة حرارته الطبيعية. كان قد رفض المكوث في المستشفى، متعللا بازدحامها بمصابي الكوليرا. نزح أديب وأسرته من إحدى ضواحي غرب أم درمان إلى مدينة الثورة، حاله حال الكثيرين من السودانيات والسودانيين، بحثا عن الأمن والأمان في واقع خلا من أدنى أخلاقيات الحروب.

 

 

 

ترك في محمد الطفل ثقل حزن فوق الاحتمال. فلم يكن أمامي من مناص سوى التماسك، ومشاركة الخبر والعزاء مع أصدقاء مشتركين في أصقاع مختلفة، بعد واجب العزاء مع زوجته وشقيقه وهيب. جميعهم عرفوه بإنسانيته، كرب أسرة، وكمهني بارع (محاسب)، وكمناضل مثابر في صفوف الحزب الشيوعي السوداني. العزاء لأسرته: زوجته وأطفاله، ولأشقائه: الخطيب، ووهيب، ولأسرته الممتدة بحي أولاد الريف بالفاشر، ولأصدقائه وزملائه وزميلاته بالحزب الشيوعي السوداني، ولكافة معارفه. وداعا يا صديق، ارقد بسلام، ولك من الجزاء كصنو ابتسامتك: الأمان

 

نقلا عن سودان تربيون

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى